كنا نظنك يا (عيد) قد تعلمت درساً من غفلتنا عنك في أعوامنا الماضية؛ فقررت أن لا تأتي، لأن أحوالنا لم تتبدل أو تتطور نحو الأفضل كما تمنينا.. هل أصبحت لا تثق أيها الضيف اللطيف بزمننا؟ أما تزال يا أبا الأطفال والأحلام البيضاء تحاول إيقاظ فرحنا؟! وحدك يا (عيد) من تهبنا فرصة التأمل والعودة إلى الطيبة والبساطة، لكننا لم نعد - وللأسف - أوفياء للبياض والبهاء، إذ نرسل الأطفال ليركضوا خلف أيامك القصيرة بزهو لا نشاركهم فيه إلا بابتسامات مجاملة أو بحضور مصطنعبين يوم وليلة أصبح (العيد السعيد) مقلماً بما قد يحسب من أمور التطور.. فلا داعي أن ننعته بالسعيد لأنه لم يعد في أذهاننا معولاً إنسانياً للسعادة المنشودة، فقد يأتي حاملاً وبلا كلل بذور الفرح التي لا نحسن ريها ورعايتها.. يقدم إلينا بأيامه الثلاثة.. هي عمره كاملاً، فلا يلبث أن يرحل رغم محاولات بعضنا المصطنعة حينما نلبس الثياب ونستنشق البخور ونرش العطور ونجهز المناسبات، فما أتعس أن تتحول مناسبة العيد إلى تحية مجانية تأتي على هيئة رسالة (جوالية) تكتشف فوراً وبلا جهد أنها قد أنهكت لكثرة ما أعيدت وكررت.. رغم أنها تشفع عادة بالدعاء والأماني والأحلام المؤجلة أو العابرة.
عيد أبي وأمي في (الشمال) هناك هو الذي يثير الحزن، إذ يشل نياط القلب تهليلهما وتكبيرهما في فجر بارد.. بعقودهما الثمانية يفرحان ويحزنان في آن واحد، فالفرحة ترتسم بهدوء حينما يروا أحفادهم يحاولون التشبث في العيد، ويحزنان لحظة أن تداهمهما صور العيد القديم.. تلك الأيام الخوالي التي كانت تجمعهم بأهلهم الراحلين إلى دار الحق.. فلا يملكون إلا الدعاء لنا بالهداية، ولذويهم بالرحمة.
|