Sunday 14th November,200411735العددالأحد 2 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الآداب الشرعية للعيد الآداب الشرعية للعيد
إعداد:د. زيد بن محمد الرماني /عضو هيئة التدريس بجامعةالإمام

فطر الإنسان على حب الأفراح والأعياد، إذ تتزين النفوس وتلبس الدنيا أبهى حللها ويتواصل الناس ويتبادلون التهاني والزيارات التي تدعم أواصر المحبة والإخاء والتراحم.
وللأعياد في الإسلام معنى خاص ومفاهيم سامية .. يقول د. عبد الفتاح سلامة: يتفرد العيد في الإسلام بما يضفي عليه سمات العلو، والشرف، لأنه من أجل فكرة خالدة ماجدة ولتحقيق هدف نبيل.
فالأعياد في شريعة الإسلام الغراء ليست فصلية أو كونية أو وطنية أو شخصية فهي تدور مع السنة القمرية حيث تدور وتأتي في كافة الفصول.
لمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجد الناس يلعبون ويمرحون في يومين، ورثوا عن آبائهم وأجدادهم اتخاذهما عيدين، فقال لهم قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى.
ومن أهم المعاني التي بني عليها الاحتفال بالأعياد في الإسلام: بدء العيد بذكر الله وبالتهليل والتكبير والاجتماع في صلاة العيد والاستماع إلى خطبة العيد.
كان بعض السلف الصالح يظهر عليه الحزن يوم العيد وكان إذا قيل له: إنه يوم فرح وسرور يقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً وهو الصوم ولا أدري منّي أيقبله أم لا ؟!
ورأى أحدهم قوماً يضحكون يوم عيد الفطر، ويلعبون فقال: إن كان هؤلاء تُقُبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يُتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.
قال أبوبكر المروزيّ: دخلت على أبي بكر بن مسلم رحمه الله يوم عيد، فوجدت عليه قميصاً مرقّعاً وقدّامه قليل خرّوب يقرضه، فقلت له : يا أبا بكر يوم عيد الفطر تأكل الخروب ؟ فقال لي: لا تنظر إلى ما آكله الآن ولكن انظر ان سألني من أين لك ؟ أي شيء أقول !!
ولذا، قال سلفنا الصالح إن من الآداب الشرعية للعيد: إظهار التكبير، وإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد والأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر والاغتسال قبل الغدو إلى المسجد والتجمل في هذا اليوم والمشي من طريق والعودة من طريق آخر وإظهار السرور في هذا العيد بما لا يتنافى مع المشروع، والتهاني تكون وفق الهدي النبوي.
يقول أحد الشعراء في العيد:


يُسرّ بالعيد أقوام لهم سعة
من الثراء وأما المقترون فلا

وقال آخر:


نُسرّ بالعيد يا ويحنا
وكل عيد قد تولّى بعام
وقال الوأواء الدمشقي:
مَنْ سرّه العيد فلا سرني
بل زاد في شوقي وأحزاني
لأنه ذكّرني بما مضى
من عهد أحبابي وإخواني

قال محمد بن أبي الفرج: احتجت في شهر رمضان إلى جارية تصنع لنا الطعام وتعدّ لنا ما نحن في حاجة إليه فوجدت في السوق إحدى الجواري ينادى عليها بثمن يسير، وهي مصفرّة اللون، نحيفة الجسم، يابسة الجلد فاشتريتها رحمة لها ورأفة بها وأتيت بها إلى المنزل فقلت لها: خذي أوعية وامضِ معي إلى السوق لنشتري حوائج رمضان، فقالت يا سيدي، أنا كنت عند قوم كل زمانهم رمضان فعلمت أنها من الصالحات العابدات وكانت تقوم الليل كله في رمضان، فلما كانت آخر ليلة من شهر رمضان، قلت لها: امض بنا إلى السوق لنشتري حوائج العيد، فقالت: يا مولاي أيّ حوائج تريد ؟ حوائج العوام أو حوائج الخواص، فقلت لها: صفي لي حوائج العوام وحوائج الخواص.
فقالت: يا سيدي حوائج العوام الطعام المعهود في العيد وحوائج الخواص الاعتزال عن الخلق والتفريد، والتفرغ للخدمة والتجريد، والتقرب بالطاعات للملك المجيد والتزام ذل العبيد، فقلت لها إنما أريد حوائج الطعام فقالت: أي طعام تعني ؟ طعام الأجساد أم طعام القلوب، فقلت لها صفيهما لي.
فقالت: أما طعام الأجساد فهو القوت المعتاد وأما طعام القلوب فترك الذنوب وإصلاح العيوب والتمتع بمشاهدة آثار المحبوب والرضا بحصول المقصود والمطلوب وحوائجه الخشوع والتقوى وترك الكبر، والدعوة والرجوع إلى المولى والتوكل عليه في السر والنجوى.
دخل أشجع السلمي على الخليفة هارون الرشيد في عيد الفطر، فأنشد قائلاً:


استقبل العيد بعمر جديد
مدّت لك الأيام حبل الخلود
تمضي لك الأيام ذا غبطة
إذا أتى عيد طوى عمر عيد
وعن العيد قال علي الجارم:
تبلّج بالبشرى ولاحت مواكبه
ورفّت بأنفاس النسيم سبائبه
أطلّ صباح العيد جذلان ضاحكاً
يمازح وسنان الرحى ويلاعبه
وكيف ينام الليل في صحوة المنى
وقد سهرت شوقاً إليها كواكبه

دخل رجل على أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه يوم عيد فوجده يتناول خبزاً خشناً فقال:
يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخبز خشن، فقال عليّ: اليوم عيد مَنْ قُبل بالأمس صيامه وقيامه، عيد مَنْ غُفر ذنبه وشُكر سعيه وقُبِل عمله، اليوم لنا عيد، وغداً لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد !!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved