Sunday 14th November,200411735العددالأحد 2 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
عيد
عبدالرحمن صالح العشماوي

ما أزال أذكر ذلك الطفل الصغير مع عددٍ من أطفال القرية يطوفون بعد صلاة العيد ببيوت القرية جميعها وقد ربطوا عمائمهم حول أعناقهم ربطة جميلة بريئة، وهم يدخلون كل بيت مسلّمين معايدين، ويخرجون وقد وضعوا في جيبوهم قطعة أو قطعتين من الحلوى، ووضعوا في قلوبهم سعادةً بما يلاقونه من ابتسامات الناس وعنايتهم بهم.
ما أزال أذكر جيب ذلك الطفل الذي أصبح بارزاً لافتاً للنظر بما فيه من قطع الحلوى التي جمعها من بيوت القرية، وما أزال أذكر ما حدث منه ومن رفاقه الصغار من مخالفة صارخة لآداب الشرع، وعادات القرية حينما جاؤوا إلى بيتٍ وسلّموا على أهله فلم يردّ عليهم أحد، فرأوا صحن الحلوى قريباً فأفرغوه في جيوبهم وانطلقوا، وحينما انكشف أمرهم فيما بعد وجدوا من النصيحة والتأنيب من بعض رجال القرية ما أشعرهم أن هذا الفعل لا يجوز، ووقر في نفوسهم هذا التوجيه حتى صار رفيق قلوبهم في كل وقت.
ما أزال أذكر ذلك الطفل حينما كبر وأصبحت علاقته بالشعر قوية فقال وهو يهنئ أخته الصغيرة بالعيد:


إنه عيدنا وعيد رفاقي
عيد حلوى وذكريات هنيّهْ
كم غدونا إلى البيوت صباحاً
يوم عيدي نحن الرِّفاق سوّيه
وطلبنا من ربة البيت حَلْوى
وسرقنا إذا استطعنا البقيه

ثم يقول على لسان أخته:


قم معي يا أخي نؤرجح بعضاً
في أراجيحنا ونلعبُ فيّهْ

فيجيبها بقوله:


ليس هذا عيدي ولكنَّ عيدي
أن أرى أمتي تعود أبيّهْ

ما أزال أذكر فرحة العيد التي كانت تملأ قلبي - طفلاً - أدرج مع رفاقي في قريتنا، أذكر ذلك وأنا أرى فرحة العيد في عيون أولادنا في هذا الوقت، إنها فرحة عيد بلا شك، ولكنها مشوبة بمسحة حزن وقلق لا تخفى على من يحسن قراءة عيون الأطفال.
عيد.. نعم.. إنه عيد، به نفرح، وبه نهنئ بعضنا.
إنه عيد جميل أراه الآن وبيني وبين حالة ذلك الطفل الذي كان يعيش في القرية سنوات طوال، فأرى فرقاً هائلاً بين العيدين، وبين الفرحتين.
أروني وجه العيد الذي لم تتراكم فيه غيوم الأسى والحزن على أحبابنا في فلسطين والعراق وكشمير وأفغانستان والشيشان، أروني وجه العيد الذي لم تتلبّد فيه سحب الحسرة على ما جرى ويجري في الفلُّوجة وغيرها من مدن العراق!
أروني ذلك العيد الباسم الضاحك السعيد الذي لا تعكر سعادته الغارات والدُّخان وضربات الحديد!
عيد مضى، وعيد أتى.. ومع ذلك فنحن نفرح بالعيد ونسأل الله أن يعيده علينا وعليكم وعلى أمة الإسلام جمعاء بالفرح والسرور.
إشارة:


عيدُ، ما هذه الخُطا العجلات
كيف تطوى أمامك السنوات؟


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved