غادرت (حينا) فكاد القلبُ ينشطرُ
يا مسقط الرأس أنت الروح والنظر
ودعتُ ليلى وأنفاسي محشرجة
فالحب فارقني والسمع والبصرُ
إذ كيف أتركها سمراء يانعة،
شفتاها من عسل والوجه مختمرُ
قلت لها: ظبيتي، صبراً، فبعد غدٍ
سوف أعود وقد اغنتني الفكرُ
سوف أعود حكيماً حاملاً لقباً،
فالعلم يدفعني والزهو والظفرُ
فودعتني - وللرحمن قد ضرعت-:
فليحمك الله والعذراء والخضر
سافر إلى آخر الدنيا فإني هنا
إن شاء ربي مدى الدهرين أنتظر
أرسلْ الى حمام الدوح يخبرني
فالنفس مشتاقة والقلب منفطرُ
سافرتُ بعد صراع كاد يشطرني
واستقبلتني بلاد اسمها المجر
هذي البلاد أخصَّ الله موقعها
فالزهر يملأها والماء والشجر
ملأى بحورٍ حسان القدِّ ضامرةٍ
ريم البوادي بفرو الأسد تعتمر
جهزت صومعتي، رتبت مكتبتي
أطلقت موهبتي، بالعقل أأتمرُ
صارعتُ جيشاً من الألفاظ في لغةٍ
كأداء تملأها الأفكار والصور
قطعت شوطاً وعين الله تحرسني
والصبر يعضدني والكد والسهر
وذات يوم خرجت من شرينقتي
سلكت درب رفاق اللهو إذ سهروا
قصدت حفلاً على الدانوب ريدته
من كل حدبٍ وصوبٍ كانوا قد حضروا
مضت هنيهة والأحلام تغمرني
فالخمر مرتشف والقلب منكسر
لاح الملاك بنور الله متشحاً،
يا صاح، افرح، أتتك الشمس يا قمر
بادرتها: مرحباً، ما الاسم سيدتي،
من أين منبتك، ما الفعل، ما الخبر
قالت: وقد أفرجت عن ثغرها خجلاً-
أنا السواسن والازهار والدرر
أنا سليلة أرباد وبعض دمي
قد صاغة الهون(1 ) والآفار(2 ) والغجر
عرفتها قائلا: من ذا أكون أنا-
ابن العروبة، أجدادي هم الحضر
هم الذين أشادوا كل عامرة
في كل ناحية ذكراهمُ نشروا
قد أوجد الحرف والأرقام علمهم
وحكمة الدين في أبنائهم بذروا
طاب الحديث وصار الود يجمعنا
والشوق يغمرنا والصب والسمر
سرت ليالي الهوى كالبرق مسرعة
إذ ما أعاقها تفكير ولا حذر
افقت ذات صباح ذاهلاً خجلاً
إذ خنت ليلى لحاني الله والبشر!
مضت شهور، أتت صيصان أسرتنا،
(ويعٌ) و(واعٌ) وحرب الخبز تستعر
وفي خضم امتحاناتٍ معسرة
نسيت كل أحبائي ولو دكروا
إلا حبيبتي ليلى لم تزل أبداً
ذكراها جاثمة في العقل تستتر
أضعت من عمرها حلو السنين وما
أومت إلي بأن الحب ينتحر
مضت سنونٌ فطال الشيب مفرقنا
واحْدَوْدَبَ الظهرُ واستشرى بنا الضجر
عشنا حياة بدا التبذير سيدها
كاتي الشقية لا تبقي ولا تذر
أقضي الصيام ونصف العيد منعزلاً
والضاد منتقصٌ والنحو مختصر
هل غلطة العمر كانت أن بقيت هنا
أم أنّ ذاك قضاء الله والقدر