Saturday 13th November,200411734العددالسبت 1 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

27-2-1392هـ الموافق 11-4-1972م العدد (386) 27-2-1392هـ الموافق 11-4-1972م العدد (386)
الماجد ينسف معظم المفاهيم النقدية..

* بقلم: عبدالمحسن الباز :
في الصفحة الأدبية من عدد الجزيرة رقم (380) قرأت (خاطرة) للأستاذ عبدالله الماجد، فوجدت نفسي مدفوعا للتعليق عليها.
أخي عبدالله الماجد بدأ خاطرته بعبارة تقريرية قطع فيها بأن النقد الذي يعتمد على (تشريح) و (تفسير) العمل الأدبي ليس من النقد في شيء، وذهب إلى تخطئة من قال أو ظن: (أن النقد تعليل وتفسير، للعمل الأدبي..) فهو يرى أن (النقد أولا هو الإحساس بالجمال في العمل الفني) ك (وحدة متكاملة) وبعد هذا الإحساس الجمالي (يتحول عمل الناقد إلى عمل إبداعي نتيجة لهذا الانفعال الحاد بالعمل الفني، وبما فيه من جمال شامل لأبعاد التجربة الفنية فيه) .
ويرى أخي عبدالله أن هذا (الانفعال الحاد بالعمل الفني) ضرورة حتمية للنقد (.. وإلا فإنه سيبقى عملا هامشيا لا حاجة إليه) .
هذا ما أظنه فحوى تلك (الخاطرة) ، فإن كان كذلك فإن عبدالله- بفرضه هذا - قد نسف معظم المفاهيم النقدية وشطب على جهود عظماء النقاد الذين أسهموا في خلق قيم ومبادئ نقدية ظلت هي الموجه الحقيقي لدفة الأدب والمرشد الفعلي لما فيه من قيم جمالية وأخلاقية لعبت المقاييس النقدية في إبرازها والتعريف بها دوراً لن يتنكر له الأدب ما دام نشاطا إنسانيا خاضعا لقوانين التطور.
ذلك أن أخي عبدالله أطلق حكما لا أتوقع صدوره عمن اعتبره أحد المثقفين الحريصين على توخي الدقة وإعمال الفكر قبل إطلاق أي حكم يتعلق بشؤون الفكر، لذلك فقد اعتبرت قوله هذا خاطرة اقتطفتها يد (كتكتية) في وقت غير مناسب، ولكن هذا لا يمنع من الاستدراك على زميل شجعتني روحه العلمية وجدية مسلكه الثقافي الملحوظة، على التبسط معه في هذا النقاش.
وقبل أن أتطرق إلى ما ذهب إليه أخي عبدالله، أود أن أضع في اعتبارنا حقيقة ذات مساس جوهري بموضوعنا.
وتلك الحقيقة هي أن النقد الأدبي يتفرع إلى عدة أقسام، كل قسم منها له نهجه الذي يعتمده في تقييم العمل الأدبي.
وإذا ما تبلور أحد تلك المناهج فإنه يصبح مدرسة نقدية تنفرد بمقاييسها واتجاهاتها المتميزة عن غيرها من المدارس النقدية الأخرى، ومن تلك المناهج النقدية ما يلي:
النقد النظري
وهو النوع الذي يبحث في النظريات العامة للأدب والفن دون الاعتماد على العمل الفني نفسه، وهذا هو أقرب الأنواع إلى المدرسة الكلاسيكية.
النقد التطبيقي
وهذا النوع يسير في الاتجاه المعاكس للنقد النظري، حيث إنه يعني بتقييم عمل أدبي ما مستفسراً عن القيمة الجمالية والأخلاقية، وعن الوسيلة الفنية التي ينفرد بها ذلك العمل دون غيره.
النقد المقارن
وهو النقد الذي يقيم المقارنة بين عملين منفصلين تتوفر في كل منهما مقاييس متماثلة.
النقد الموضوعي
والناقد في هذه الحالة يستخدم مقاييس خارجية يجرى بواسطتها عملية التقييم لعمل أدبي ما.
النقد الذاتي
وهذا النقد يعتمد على الذوق الشخصي الخاص بالناقد ومدى تعاطفه مع العمل الأدبي.
النقد التاريخي
وهذا المنهج يهتم بالبحث عن الظروف التي أوجدت العمل الأدبي، وأهمها في رأي أكبر رواد هذا المنهج - وهو الناقد الفرنسي الحتمي (هيبولت تين 93-1828م) - البيئة، والجنس، والعصر، والجدير بالذكر أن هذا المنهج جاء كامتداد لمدرسة سانت بيف- أستاذ الناقد تين- النقدية القائمة على السيرة الذاتية.
النقد الانطباعي
والناقد الانطباعي ينظر إلى العمل الأدبي من حيث الأثر الجمالي الذي يتركه في نفسه هذا العمل.
هذه بعض من المذاهب النقدية المتعددة والتي لا يتسع المجال لحصرها كلها وقد اكتفيت بالإشارة إليها من بعيد لكي أحدد معالم النقاش فقط وأستعين بها على التدليل لما أود قوله آملا أن تحين الفرصة المناسبة للاستفاضة في الحديث عن بعضها.
أما الآن فيكفي أن نتحقق من مدى اتساع الدائرة النقدية واختلاف أبعادها، ومما لا شك فيه أن المقاييس مختلفة ومتعددة ولكن هذا لا يعني نبذها وتجاهل قيمتها فهي من أهم الأدوات التي يعتمدها الناقد في أي عملية نقدية، كيف يمكن لأي ناقد أن يدرك الغث من السمين والنادر من المبتذل إذا لم يكن مسلحا ببعض المقاييس الجمالية والفنية التي تمكنه الرؤية الواضحة والحكم الصحيح.
الذوق والملكة لا يكفيان في النقد، لذلك فإنني أعتقد أن عبارة (لا يعترف النقد بأية مقاييس) عبارة فيها شيء من التعسف، قد يصح هذا القول بالنسبة للأدب الخلاق الذي أرى أنه يعتمد على الذوق والملكة الخاصة أكثر من اعتماده على المقاييس الخارجية.
أما بالنسبة للنقد فإنني أعتقد أن العكس هو الصحيح.
وبالرجوع إلى المناهج النقدية التي سبقت الإشارة إليها، أرى أن ما يدعو إليه الزميل هو ما يمكن تسميته بالنقد الانطباعي، حيث إنه يرى أن النقد أولا هو الحساس بالجمال في العمل الفني والانفعال الحاد بذلك العمل.
هنا يصبح عمل الناقد خلقا فنيا جيداً خاضعا للإحساس الفردي والقدرة التمثُّلية - بتشديد الثاء وضمها- عند الناقد، ثم إن الجمال مسألة نسبية تتصل بالنضج وكمية التجربة وعمق الإحساس ولون الثقافة وطبيعة المعتقد وما إلى ذلك من استعدادات نفسية للاستجابة والأفعال بالعطاء الفني، من هنا يشك معظم النقاد في جدوى هذا المنهج، حيث إن الصبغة الذاتية التي تسم عمل الناقد تحد من قيمة العمل الأدبي الفعلية وتنكر عليه الجوانب الجمالية والفنية الأخرى التي قد تقصر عنها رؤية هذا النوع من النقاد بحكم محدودية إدراكهم وذاتية استجابتهم، ويعتبر الناقد الإنجليزي (ويليام هازلت) من أوائل من نادى بهذا المذهب الانطباعي وتبعه بعد ذلك الناقد (تشارلز لامب) ، ولكن هذا المنهج لم يلقَ تأييداً كبيراً من معظم النقاد، ولهذا المذهب مساوئ قد تلحق بالنقد والأدب معا، وسأحاول أن أوجزها في النقاط التالية:
* بما أن أحكام الناقد الانطباعي ذاتية محضة فان الفائدة الموضوعية تكاد تكون معدومة حيث تقتصر الفائدة على الناقد نفسه.
* هذا النوع من النقد يحد من تقدم المسيرة النقدية على مر العصور لأنه لا يسلك الطريق التقدمي كأي فرع من فروع المعرفة التراكمي، فهو يظل على شكل انطباعات فردية ليس لها قيمة فعلية في مجال النقد البناء.
* وبما انه كذلك فهو لا يدخل دائرة البحث أو النقاش لأنه مجرد إحساس فردي- وليس رأياً- لا يمكن تأكيده ولا معارضته.
* الناقد الانطباعي كثيرا ما يخرج عن موضوع العمل الأدبي الذي هو بصدده مسترسلا في وصف مشاعره وأحاسيسه الخاصة به.
وهكذا فقد رأينا أن النقد الأدبي متعدد المدارس ومختلف المناهج وأن وظيفة النقد الأساسية هي التقييم الموضوعي البناء مهما اختلفت الوسائل وتباينت المناهج.
وكما أن التقييم هو، في رأيي، وظيفة النقد فان الإبداع هو مهمة الفن، ولا يتم التقييم لأي عمل فني بدون تفسير وتعليل وهذان لا يتمان إلا بالاعتماد على بعض المقاييس الفنية التي تضيء مسيرة الناقد إلى جانب الاستعداد الفردي والبصيرة الثاقبة التي قد تكشف مستويات فنية عليا في العمل الأدبي ثم تضيفها إلى حصيلة النقد كمعايير فنية جديدة، وهذه هي السنة التي كفلت التطور للأدب والنقد معا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved