Saturday 13th November,200411734العددالسبت 1 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

يا هؤلاء لا تصفوه ب (الحامض) يا هؤلاء لا تصفوه ب (الحامض)
الشعر النبطي هو مصدر التراث وليس له تأثير على (الفصحى) كما تدعون!

لعله من المؤسف حقا ان يطل علينا بين الحين والآخر من يدعي العلم والمعرفة والفصاحة في اللغة العربية، والتعمق فيها... فيبدأ بشن هجوم على تراثنا الشعري ومن لهم اهتمام به أو بانتقاده كاتب له القدرة على طرح الكثير من القضايا الاجتماعية ومعالجتها بأسلوب يحاكي فيه كل طبقات المجتمع عندما يستخدم بعض المفردات التي تقرب المعنى إلى ذهن المتلقي العادي، كالأسلوب المميز الذي يتبعه كاتبنا المخضرم عبدالرحمن السماري!؟
فبمجرد تخيله لنفسه انه وصل إلى درجة الفلاسفة في معرفة اللغة العربية، فإنه يحاول ان يجد له مكانا ينطلق منه، ليشتهر ويبرز اسمه في الساحة بمجرد تحريك ريشة قلمه، ليكتب في مواضيع لا يعرف عنها شيء أو انه قد تعمد ذلك ويطلب من الآخرين ان يقفوا معه فيما يعتقد انه الصواب، على ضن منه ان السواد الأعظم من الناس أدباءهم وكتابهم وكبيرهم وصغيرهم، هم المخطئون وان لا مكان لهم وهذا ضرب من ضروب الخيال التي وقع فيها الكثير ممن ينتمي إلى هذا التوجه الخاطئ.
فهؤلاء يرون أنهم الأعلى ثقافة والأمثل طريقة وسلوكاً في المجتمع، فيبرزون عضلاتهم ويشهرون أقلامهم بشن حرب ضد حضارة وتراث أمة ليحكموا عليه بالإعدام شنقاً!؟.
وما ذلك إلا مجرد توهم واعتقاد خاطئ بأن الشعر النبطي يشكل خطراً على اللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم.. ولعل من بين أولئك الأخ سليمان العقيلي في مقاله الذي نشر في صفحة عزيزيتي عدد الجزيرة ذي الرقم 11720 الصادر يوم السبت 16 من رمضان، وهو يعقب على سليمان المطلق ويؤيده في انتقاده الكاتب السماري في اتخاذه العامية طريقاً له في كتاباته، ومن شدة تحمس العقيلي وقوة اندفاعه قال إنه تذكر رده على الدكتور عبدالله المعيقل في العام الماضي.. وكيف انه يتشبث باللغة العامية اللقيطة!؟، المعنون ب (سأخوض معركة الانتصار للفصحى)، فنلاحظ أن العقيلي يناقض نفس بنفسه من البداية حتى النهاية عندما قال (ان العامية بحق باتت تزكم أنوفنا ونحن نقلب صفحات الصحف الشعبية أو ما نسمعه في الجلسات.. وأنا هنا وكما ذكرت لا أهمش دور العامية بتاتا ولا أنكر ان فيها النزر القليل من الجمال وحسن العرض التصويري والدعوة إلى التحلي بالشيم العربية.. وهنا أخاطب شبابنا بأن يتنحوا عن هذا اللون الشعري المفلس).. وأيضاً نلاحظ أن العقيلي يتخبط وغير مستقر على رأي لأنه يقف على جسر واه كما يقول.
ولا أجد مبرراً، لكل اتهامات العقيلي لتراثنا، إلا لسببين أما أنه يريد شهرة يكتسبها عن طريق مهاجمة تراثنا واتهام أدبائنا وكتبنا ووصفه لمواقفهم إلى جانب تراثنا بالمواقف السلبية أو أنه لقلة فهمه ومعرفته أراد ان يضع الآخرين في صومعته التي يعيش فيها مع من هم على منواله في هذا التوجه!؟.
وقد ألف أحدهم كتابا أسماه (سقوط النخبة وبروز العامي) وقبل ذلك أطل علينا مؤلف هذا الكتاب بسلسلة من الكتابات هاجم فيها الذين يقفون إلى جانب التراث الشعري من أدباء ومسؤولين تحت عنوان (سلطة المد العامي)، فيا عجبا لهؤلاء من هذه الانعزالية والتوجه العقيم الذي يخيم على عقولهم وأفكارهم المنغلقة!؟... وما ذلك إلا نتيجة ضحالة أفكارهم وعدم قدرتهم الاستيعابية، فيخيل إليهم ان الشعر النبطي له تأثير على اللغة العربية وعلى القرآن الكريم.
فنجدهم ينتقدون كبار الأدباء والدكاترة والكتاب والإعلاميين ويطالبون بالتخلي عن تراثنا وأصالتنا وحضارتنا التي نفتخر بها ونفاخر بها الأمم ونعتبرها جزءاً مهماً من حياتنا ومن ضمنها، الشعر النبطي الذي لا أحد ينكر دوره فهو الذي قد حفظ لنا الكثير من القصص والأحداث والبطولات والمواقع التاريخية وشعراؤه هم الذين أورثونا مجداً وتراثاً أصيلاً نعتز به.
إن الشعر العامي (النبطي) له تأثير على اللغة العربية الفصحى حسب فهمهم الخاص بهم، ولأن ليس لديهم المقدرة على نظمه أو فهمه وصفوه بالحامض؟.
ومن المؤكد كل ما يقولونه عن هذا التراث ليس صحيحاً على الإطلاق، لأن الشعر النبطي كما قال الشيخ عبدالله بن خميس، يكتب بحروف اللغة العربية الفصحى منذ نشأته ويجاري الشعر الفصيح سواء بسواء وبنفس البحور وأحياناً يعتبر عن أشياء ويوصل الصورة إلى المتلقي أكثر من الفصيح كما اننا لو عدنا إلى الوراء لعدة عقود مضت من الزمن، أي قبل انتشار التعليم في المملكة عندما كان الناس لايجدون من يكتب لهم الرسائل أو يقرأها إلا الذين يحفظون القرآن فقط.
إذاً كيف يشكل خطراً على اللغة العربية في الوقت الراهن؟، بعد انتشار التعليم وتطوره وازدهاره في كل مراحل التعليم وتخرج العديد من الدكاترة والأدباء والكتاب وتوفر التخصصات اللغوية في اللغة العربية وفي حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتجويده.
كما أن الذين دونوا الشعر النبطي وألفوا، فيه الكتب والدواوين، هم نخبة من الأدباء والكتاب الذين لهم مكانتهم في المجتمع، ولم يؤثر ذلك على لغتهم وثقافتهم بل زادهم رفعة ومكانة عند كل طبقات المجتمع ومنهم الأديب الكبير الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس والدكتور سعد بن عبدالله الصويان والدكتور عبدالله بن صالح بن عثيمين والأديب محمد سعيد كمال رحمه الله والشيخ عبدالله بن ادريس والاستاذ عبدالله الثميري رحمه الله والشيخ ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وغيرهم من الأدباء والمؤلفين والكتاب الذين يقولون الشعر النبطي ويؤلفون فيه فهم فرسان في اللغة الفصحى وفي النبطي وفي القصص والروايات التراثية ولم تتأثر لغتهم ولا يستطيع أحد ان يجاريهم في الفصاحة.
وقبل ثلاثة وعشرين عاما دارت معركة أدبية حول هذا الموضوع بين المعلمي رحمه الله وعدد من الأدباء والكتاب وتم نشر ذلك على صفحات هذه الجريدة وقام الاستاذ توفيق علي وهبة بتأليف كتاب يقع في 256 صفحة أسماه (الشعر الشعبي، شعر أم زجل؟) ضمنه كل أطروحات المهاجمين والمدافعين، ومن بين تلك الكتابات، رد الاستاذ عبدالله الثميري على غازي الأسمري الذي جاء في 6 صفحات من الكتاب، حيث استشهد الثميري بما قاله علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر ص (65) وهو يقول: (وليس من المبالغة القول بأن الشعر العامي في نجد اقرب إلى الطبيعة وأصدق في التعبير وأرق في الإحساس من كثير من الشعر الفصيح ذلك ان الشعر الفصيح تكثر فيه الصنعة ويبرز فيه التقليد أما الشعر العامي فإنه يعبر عن سجية وعن طبيعة عما يجول في نفس الشاعر من معاني ويصور ما يدركه من أخيلة ولقد كنت ممن يدعون إلى أحياء هذا النوع من ادبنا لأني أرى فيه فضلا عن كونه يمثل نوعا بارزاً من الأدب الشعبي أرى فيه أشياء أخرى وأرى فيه أنه مظهر واضح لعاداتنا وتقاليدنا).
وفي نفس الصفحة والحديث (للثميري) وفي مكان آخر يقول الشيخ الجاسر (والقول بعدم الاهتمام به يعني اهمال دراسة أحوال الجزيرة طيلة عشرة قرون أو أكثر ولا يقول غيور على الأمة ممثلة في حياتها الماضية لغة وأدباً وعادات... لا يقول بهذا من يتصف بالغيرة والحرص على الحفاظ على كيان هذه الأمة)؟
وبعد ان استعرض الثميري اسماء الشعراء ص (67) الذين قالوا العامي والفصيح قال (وهذه قصيدة من شاعر فصيح وباحث كبير هو الشاعر صادق محمد بخيت، وهو يوجهها إلى الشاعر العامي المعروف سليمان الهويدي، من شعراء الكويت، أورد بعضها هنا لنعرف ان شعراء الفصيح يهتمون أيضا بالشعر العامي:


أخي (سليمان) للصحراء شاديها
وللمروءة يسعى في مساعيها
يا شاعر (النبط) نعم الشعر تنشده
للنبط مرسى وللفصحى مراسيها
ظللت احرص ان أصغي لندوتكم
حتى ظفرت بفضل من مغازيها
سمعت قولك في التلفاز.. أعجبني
منك الصراحة في اسمى تعاطيها
لكنني - ويمين الله - في عتب
على المقاصد إذ ظلت مراميها
تستهجن البدو ان تعنو العلوم لهم
كأنما البدو ناس من اعاديها؟
الناس كلهم مذ كان أولهم
عاشوا البداوة في شتى نواحيها
من أين نحن؟ وهل ننسى بداوتنا
حيث المكارم في أجلى معانيها
ان كان عيبا على البيدا تأخرها
فالجهل ليس قصورا من أهاليها
ان البوادي وان كانت طبيعتها
تقسو قليلا فما شيء يضاهيها
فالعز والفخر بعض من معالمها
والسيف والرمح بعض من مواضيها
فيها الحياة بلا غش ولا كذب
طبع البداوة في شتى صحاريها
أما الذكاء ففي الصحراء معظمه
حيث الصحاري تبدت في مصافيها

انتهى كلام الثميري
ونحن نعلم بما لا يقبل للشك ان الشعر النبطي دون سواه هو الذي حفظ لنا تراثنا وأصالتنا وعاداتنا وتقاليدنا المستوحاة من ديننا الإسلامي الحنيف وهو الوسيلة التي يعبر بها الكثير من الناس عن أحاسيسهم ومشاعرهم، ومليحه مليح وقبيحه قبيح شأنه شأن الشعر الفصيح، ولا يمكن أن نفرط فيه أبداً، بمجرد كلام عابث يجهله ويجهل كنوزه ويطلب من مجتمع بأكمله، حاضرة وبادية ان يتخلوا عن تراثهم ويتنصلوا منه كما فعل المنادون بذلك لكونهم لايعرفون عنه شيئاً أو لحاجات في أنفسهم!!؟؟...
وقد قال عنهم الدكتور الصويان، لو طلب من أحدهم ان يقول بيتاً أو شطر بيت لما استطاع، إذاً فاقد الشيء لا يعطيه ولا يمكن ان تستمع الناس إليهم، فلو ان أصحاب هذه الأقلام اتجهوا لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة التي تهم وطننا ومجتمعنا ونحن بحاجة لطرحها بأساليب حضارية ليطلع عليها من يعنيهم الأمر من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها أو أنهم قاموا بانتقاد الشعر الغث الهابط الذي أخذ ينتشر في الآونة الأخيرة وأصبح يشوه صورة تراثنا لكان أجدى لهم من الخوض والافتراء على الشعر العامي انه يشكل خطراً على اللغة كما يزعمون، أو انهم وجهوا أقلامهم إلى قضايا أكبر من ذلك.
ومن خلال أفكار هؤلاء وتوجهاتهم أعتقد أنه لو ترك لهم الأمر لقاموا بإحراق التراث وكتبه أو رموه في البحر للتخلص منه نهائيا.
وآمل ان لا يصل الأمر بهم إلى الابتعاد عن مخالطة الأجداد والآباء وكبار السن حتى لايشكلوا خطراً على اللغة!!؟؟ومن ثم لايبقى لتراثنا وحضاراتنا وآصالتنا أي أثر وبعد ذلك، نبدأ من الصفر في تأسيس تراث وحضارات جديدة توافق أذواق ورغبات مناصبي تراثنا.
هذا مختصر لبعض الحقائق التي توضح وتؤكد عدم صحة ما يدعيه أصحاب هذا التوجه الفكري تجاه تراثنا... أسأل الله ان يحفظ ديننا ووطننا وأمننا وتراثنا من كل عابث.
عبدالله بن حمد السبر
/ ص.ب 32010 الرمز 11428


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved