كانت زوجة عكرمة بن أبي جهل أحد صناديد قريش ، وقد شهدت غزوة أحد وهي مع الكفار ولم تسلم إلا بعد الفتح ، ثم هرب زوجها الى اليمن خوفاً ، فذهبت تستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ان تخرج في طلبه ، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت إليه وعادت به إلى المدينة وأسلم ، وقبل الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه إسلامه.
ويحكي عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - هذه القصة فيقول : لما كان يوم الفتح أسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل ، ثم قالت أم حكيم : يا رسول الله قد هرب عكرمة إلى اليمن ، وخاف ان تقتله فأمنه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو آمن.
فخرجت في طلبه ومعها غلام لها رومي فراودها عن نفسها ، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حي عك فاستغاثتهم عليه ، فأوثقوه رباطاً وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة ، فركبت البحر فجعل نوتي السفينة يقول له : اخلص ، قال أي شيء أقول .. فقالت له قل لا إله إلا الله ، فقال عكرمة ما هربت إلا من هذا ، فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول : يا ابن عم جثتك من عند أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، فوقف لها حتى أدركته ، فقالت : لقد استأذنت رسول الله لك ، قال : أنتِ فعلت ، قالت : نعم أنا كلمته فأمَّنك ، فرجع معها فخبرته بخبر غلامه الرومي فقتله عكرمة وهو يومئذ لم يسلم ، فلما دنا إلى مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأتيكم عكرمة مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه فان سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت ، قال : وجعل عكرمة يطلب امرأته ان يجامعها فتأبى عليه وتقول له أنت كافر ، وأنا مسلمة ، فقال ان أمراً منعك فيَّ لأمر كبير ، فلما بلغ باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب إليه وفرح بقدومه ، ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف بين يديه وزوجته منتصبة فقال : يا محمد ان هذه أخبرتني أنك أمَّنتني. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت آمن ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنت عبد الله ورسوله وأنت ابر الناس وأصدق الناس.
قال عكرمة : أقول ذلك وإني لمطأطئ الرأس استحياء منه ثم قلت : يا رسول الله استغفر لي كل عداوة عاديتها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها ، وكل موكب أوضع فيه يريد ان يصد عن سبيلك ، فقلت يا رسول الله مرني بخير ما تعلم فاعلمه قال : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتجاهد في سبيله.
ثم قتل عكرمة - رضي الله عنه - فتزوجت أم حكيم بعده خالد بن سعيد ، وكان من المجاهدين فخرج في غزوة إلى الشام وأراد ان يدخل بها ، فقالت له : هلًَّا صبرت حتى ينصرنا الله فقال لها : يا أم حكيم تحدثني نفسي بأني أقتل ، فقالت دونك فدخل بها في خيمة ، وأعد وليمة لأصحابه ، وما ان فرغ الناس من الطعام حتى أقبلت الروم وقامت المعركة وقتل خالد في المعركة ودفن هناك ، واستمرت هي تقاتل وكان سلاحها عمود الخيمة التي شهدت عرسها فقتلت به سبعة من الروم ، وقد سميت المنطقة بقنطرة أم حكيم وهي قريبة من مدينة دمشق.
|