Saturday 13th November,200411734العددالسبت 1 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

عيد الفطر عيد الفطر
د. موسى بن عيسى العويس/الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

لا تأتي ليلة العيد إلا ويلوح في سمائها نجمان مختلفان كل الاختلاف لدى عالم التنجيم والمنجمين، كما يقول (مصطفى لطفي)، نجمٌ سعود، ونجمٌ نحوس.
أمّا الأول: فلأولئك الذين أعدوا لأنفسهم صنوف الأردية والحلل، وهيأوا لأضيافهم ألوان المطاعم والمشارب، وباتوا آمنين مستقرين في أوطانهم، وقضوا أيام شهر رمضان على خير مايبتغى، في ظل حياة كريمة.
وأما الثاني: فلأولئك الذين قضوا أيامه ولياليه في سجونٍ مظلمة من البؤس والشقاء، والفاقة والحرمان، لأسباب مختلفة، وظروف متباينة، فأفقدتهم هذه الحياة المضطربة، وسلبتهم شيئاً من روحانية ذلك الشهر ونفحاته التي نعم بها نظراؤهم ومن وحي هذه المناسبة العظيمة التي تمر علينا كل عام، استوقفتني أبيات للشاعر( القروي)، حين عادت عليه المناسبة، وهو يقع تحت ظروف معينة، فأدركت في موقفه معنى الحرية والأمن، والطمأنينة والاستقرار، ونعمة الإسلام، وحلاوة الإيمان. لكنني أدركت كيف تصنع الحوادث الجسام صنائعها في قلوب البشر، حين تخرجهم من حيث لايشعرون عن أطوارهم العقلية، فيضلون من حيث لا يعلمون، ويلتمسون الدواء بما هو في حقيقته أصل الداء. يقول الشاعر (القروي)، وقد أطلّ عليه العيد على حالٍ لاتسر لأمته، من الفوضى والاضطراب، وتزعزع القيم والمعتقدات، وتباين في الانتماءات والولاءات:


صياماً إلى أن يفطر السيف بالدم
وصمتاً إلى أن يصدح الحق يافمي
أفِطرٌ وأحرار الحمى في مجاعةٍ ؟
وعيدٌ وأبطال الجهاد بمأتمِ ؟
بلادك قدمها على كل ملةٍ
ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
ِ فما مسّ هذا الصوم أكباد ظُلمٍ
ولاهزّ هذا الفطر أرواحَ نوّم
ِ ولكنني أصبو إلى عيد أمةٍ
محررة الأعناق من رقّ أعجمي
هبوني عيداً يجعل العرب أمة
وسيروا بجثماني على دين برهم
ِفقد مزّقت هذي المذاهب شملنا
وقد حطمتنا بين ناب ومنسمِ
سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا
وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ

مرّت عليه مناسبة العيد، فراح يجسّد هذه العواطف الناريةالجامحة لأمة ثائرة، تحت نير الاستعمار. أمة جهلت بعد علم، وتفرقت بعد اتحاد، وذلت بعد عز، وتقلصت بعد سيادة. أمةُ تمر عليها هذه المناسبة العظيمة، وهي مختلفة في مذاهبها ومفاهيمها، مصطرعة في مللها ونحلها، تتنازعها مختلف التيارات والقوميات، فلا غرابة حينئذٍ فيما قرأتم في صفحة فكر هذا الشاعر، ولا غرابة أن تتكرر هذه الصورة لدى الأجيال، في كل قطرٍ نُكب من أقطار العرب والمسلمين.
أي استشعار ياترى سيستشعره هذا الجيل في هذه المناسبة العظيمة، سوى أن الحاضر شر من الماضي، وأن ميادين الحروب لاتزال فاغرة فاها، ملوثة بالدماء البريئة، وأن مصانع الموت لاتزال تفتن في العدد، وتستكثر من الأدوات، تحت ذريعة حماية النظام العالمي.
نستعيد هذا العيد، ونحن نطمع أن يكون السلام قد نشر أجنحته البيضاء على هذا المجتمع البشري،لا أن نرى بعض أقطارنا في هذه المناسبة تشعر أن جذور الشر القديمة ناشبة في نفوس البشر، وأن سحب البغضاء والتناحر والتنافر قائمة لاتزال تخيم على المجتمع الإنساني من أدناه إلى أقصاه، شعوباً وقبائل، ومذاهب وأدياناً، ومنازل وأوطاناً.
فعلامَ يهنئ بعضهم بعضاً، وماذا لقوا من دنيا هذا العالم الهائج، كي يحرصوا للبقاء فيها، ويتشبثوا في الحفاظ على معطياتها.
نستعيد هذا العيد، ويتسائل كثير من هؤلاء المنكوبين في أوطانهم، المرزوئين في مجتمعاتهم:
أيّة يد من الأيادي الكريمة أسدتها هذه الأيام العسيرة إلى إنسان يظل فيها من مهده إلى لحده في ظل هذه الظروف حائراً مضطرباً، يفتش عن ساعة راحة وسلام له ولأهله، تهدأ فيها نفسه، ويثلج صدره، وتسكن خواطره، فلا يجد إلى ذلك سبيلاً، إلا في عالم الأحلام الخاطفة، وكواكب الأمنيات العابرة.
أيّ عيد تستشعره أمة مكلومة، ابتزت شعوبها، وأدركها الهوان والإرهاق والذل. أمة هدمت مدنها المكشوفة، واستبيحت مقدساتها، وقتل أطفالها وشيوخها، ورملت نساؤها ورجالها، وافتن إلى جانب ذلك في تعذيب أحرارها.
تكالب عليها أعداؤها من كل حدب وصوب, حتى باتت جائعة فقيرة، مسحوقة النفس، خائرة القوى، منهوكة الجسد، لامطمع لها بسلام ولا أمان،ولا أمل لها في سعادة ولاهناءة. ماذا يغنيهم إن لامست مسامعهم في مثل هذه المناسبة، وعبر المحافل، إن قيل لهم كنتم سادة بالأمس، وحفدة الأبطال الفاتحين، وأن تاريخكم حافل بالأمجاد، زاخرٌ بالفتوحات؟.
نعم هذا لايغنيهم، لكن سيبقى أمل هذه الأمة أن تأتي هذه المناسبة، نافحة في سمائها كل ليلة من لياليها بكوكب وضّاء، متمخضة أحشاءها ببطل، يستخلف على تراثها وحضارتها، ودينها ووطنها.
وإن بلداً كهذه البلاد المباركة، بقادتها المسددين، وشعبها الواعد، وحضارتها الضاربة لهي الكفيلة بإذن الله لانتشال الأمة، وكشف الغمة عنها، لتستعيد هذه المناسبة بثوب قشيب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved