هذه حقيقة ثابتة ترتفع عن مستوى الرِّيبة والشك، إنَّ جند الله هم الغالبون، مهما كانت القوة التي تواجههم، لأنهم جند الله، والله سبحانه وتعالى يؤكد في الآية الكريمة غَلَبة جنْده المخلصين.
ماذا نقول إذا ورد سؤال يستمد معناه من الواقع؟ وهو: كيف نفسِّر ما نراه من انهزام المسلمين أمام الكافرين، والمعتدين، والمحتلّين في أكثر من موقعة في زماننا هذا، وفي غيره من الأزمان؟
كيف نفسِّر هذه الهزائم التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذا العصر أمام أعدائها من يهود ونصارى وملحدين بالرغم من كل الأدعية والابتهالات التي يوجهونها إلى رب العالمين؟.
نقول: تظل الحقيقة القرآنية ثابتةً لا تتأخر ولا تتغيَّر {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، هذه الحقيقة ثابتة لا ينقضها ظاهر ما نرى من الأحداث التي أشار إليها السؤال السابق.
إن كلمة {جُندَنَا} في الآية الكريم تتضمن إضافة الجند إلى الله عز وجل، وهذه الإضافة تعني أن هؤلاء الجند متَّصلون بالله سبحانه وتعالى اتصالاً وثيقاً قلباً وقالباً، ظاهراً وباطناً، وأنهم يخلصون أعمالهم لله عز وجل ويراقبونه في سرهم وعلانيتهم، فهم - بذلك - جنده الذين ينتمون إليه وحده، لا إلى رغبة شخصية، أو ميل عاطفي، أو مصلحة دنيوية، أو نعرة قبلية، أو رغبةٍ في الانتقام من أحد لذاته، وبهذا يستحقون هذا الشرف العظيم الذي تعنيه كلمة {جُندَنَا} وبهذا يتحقق الوعد بالنصر الذي لا يتأخر، وبه - أيضاً - تثبت هذه الحقيقة التي لا تنقضها الأيام {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
فإذا رأينا جنداً من المسلمين يقاتلون الأعداء مكبرين مهلِّلين، باذلين الأسباب التي استطاعوها ثم لم ينتصروا، فلابد أن نكون على يقين أنَّ هنالك مانعاً خفيَّاً أو ظاهراً من تحقيق معنى تلك (الجنديَّة) الخاصة الخالصة المتعلِّقة بالله رب العالمين، وهنا يكون الانهزام للإنسان الذي لم يحقِّق تلك الجنديَّة الخالصة، وليس للحقيقة الشرعية الثابتة.
إنَّ أوضح دليل ما حدث في غزوة أحد، وحنين، ففي هاتين الغزوتين كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع المسلمين، ومع هذا حدث الانهزام بعد النصر في أحد، والانهزام في بداية المعركة ثم الانتصار في آخرها في حنين.
يا ترى مَنْ الذي انهزم في المعركتين؟
انهزم الإنسان الذي لم يحقق المعنى الكامل للجنديَّة الكاملة لله عز وجل، ففي أحد خالف الرُّماة أمر رسول الله، فانخرمت بذلك صورة الجنديَّة الخالصة لله، فجاء من طريقها البلاء، وخامرت بعض النفوس مطامع الدنيا فكانت ثغرة أخرى وجد إليها البلاء طريقاً، وذلك ثابت بنصِّ القرآن {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} حتى قال بعض الصحابة: والله ما كنت أظن أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية.
وفي حنين انخرمت صورة الجنديَّة الخالصة لله بالإعجاب بالكثرة حتى قال قائل المسلمين: لن نُغْلَبَ اليوم من قلَّة، فكانت الهزيمة لواقع الحال، وليست للحقيقة الثابتة التي لا تتغيَّر.
إشارة
صدق الله القائل {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
|