Saturday 13th November,200411734العددالسبت 1 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

من المنفى إلى الحصار حتى الوفاة من المنفى إلى الحصار حتى الوفاة
( الجزيرة ) تعرض صفحات من تاريخ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
ردد عرفات في حياته: (الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين.. حياتي ليست هي القضية بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح

  * فلسطين المحتلة - بلال أبو دقة :
كُتبت الكثير من المقالات والدراسات التي تتسع لمجلدات ضخمة، عن القائد التاريخي للفلسطينيين ، الرئيس الفلسطيني، الراحل ياسر عرفات، (75 عاماً ) وقيل فيه الكثير..ولكن تبقى حقيقته البسيطة واضحة لأبناء شعبه وللعالم أجمع: فلقد ظل الذي انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الثلاثاء، 26 رمضان 1425 هـ، الموافق 9- 11- 2004، وفياً للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وكان مرناً إلى أقصى درجات المرونة في كل شيء إلا في تلك الثوابت.. وتعرض هنا (الجزيرة) تقريراً وافياً عن حياة الرجل، الأب الروحي للفلسطينيين، الذي قضى جل حياته مدافعاً عن قضية شعبه، دون كلل ولا ملل، فلا الحصار فل من عزيمته، ولا التهديدات بالإبعاد والقتل قللت من إصراره على تحقيق آمال شعبه في الحرية والانعتاق من الاحتلال..حتى آخر لحظة من حياته..
(أبو عمار) كنية المناضل الشهيد
محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، هو الاسم الحقيقي لياسر عرفات، الذي اتخذ اسم(ياسر) وكنية(أبو عمار)، أثناء دراسته في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، إحياءً لذكرى مناضل فلسطيني قتل وهو يكافح الانتداب البريطاني.
مكان ولادة عرفات ما زال محل خلاف، فهو(عرفات) قال: انه من مواليد القدس في أغسطس- آب 1929، أما جميع من تتبعوا سيرة حياته، فيعتقدون انه من مواليد مدينة القاهرة يوم 24 أغسطس- آب 1929.
وباستثناء الخلاف حول مكان ولادته، لا يختلف أحداً من المؤرخين على التاريخ النضالي المشرف لهذا الفلسطيني الذي حمل الهم الفلسطيني في قلبه وعلى كاهله، طوال اكثر من أربعة عقود.
بدأ الرئيس الراحل، ياسر عرفات، حياته السياسية في مطلع حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حينما شارك في عام 1952 عندما كان طالبا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في تأسيس اتحاد طلبة فلسطين في مصر.
وقد تولى رئاسة رابطة الخريجين الفلسطينيين بعد نجاح ثورة يوليو- تموز بقيادة جمال عبد الناصر في الاستيلاء على السلطة.
ظهرت مواهبه منذ سنوات شبابه المبكر كناشط وزعيم سياسي..وقد انجذب في البداية لجماعة الأخوان المسلمين، لكنه سرعان ما اعتنق فكر الكفاح المسلح ضد إسرائيل عقب(نكبة) عام 1948، وقيام دولة إسرائيل فوق ما يزيد على 70 بالمائة من مساحة فلسطين التي كانت خاضعة للحكم البريطاني. بعد انتصار ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو- تموز 1952، بعث عرفات، عام 1953، خطاباً إلى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، حمل ثلاث كلمات فقط هي:(لا تنس فلسطين) ..وقيل إن عرفات سطر الكلمات الثلاث بدمائه..
تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح)
التحق عرفات بالخدمة العسكرية في الجيش المصري وشارك في التصدي للعدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر في حرب السويس..وفي عام 1956 مُنح عرفات رتبة ملازم في الجيش المصري.
وفي 1958 شكل عرفات الذي كان وقتها يعمل مهندسا في الكويت مع مجموعة صغيرة من المغتربين الفلسطينيين الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تبنت الكفاح المسلح وسيلة لتحرير فلسطين. ومن أبرز الذين شاركوه تأسيس فتح: صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد) .
وكشف عرفات في ما بعد عن قيامه في ذلك الوقت بجمع بنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية من الصحارى المصرية لتسليح حركته. وفي 31 كانون الأول 1964 نفذت حركة فتح أول عملية مسلحة في إسرائيل عبر محاولة نسف محطة مائية، وقام عرفات شخصياً بتسليم بيان تبني العملية إلى صحيفة (النهار) اللبنانية.
وفي 28 أيار 1964 تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية تحت رعاية مصر، وترأسها احمد الشقيري..واعتمدت المنظمة ميثاقا وطنيا يطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين ويرفض قيام دولة اسرائيل. وفي حزيران 1967: انتقل عرفات إلى العمل السري، تحت اسمه الحركي(أبو عمار) .. وفي تموز توجه سراً إلى الضفة الغربية المحتلة حيث أمضى أربعة أشهر قام خلالها بتنظيم خلايا حركة فتح.
وفي 4 شباط 1969 انتخب عرفات رئيساً للمنظمة التي أصبحت ممثلا للشعب الفلسطيني ..
1959: أسس عرفات في الكويت مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح).
اكتسب عرفات أثناء خدمته بالجيش المصري خبرة في العمليات العسكرية واستخدام المتفجرات أهلته لقيادة الجناح العسكري لحركة فتح الذي عرف باسم(العاصفة)، وبدأ عملياته عام 1965.
معركة الكرامة ورئاسة منظمة التحرير
وفي تلك المرحلة، بدأ نجم عرفات في البزوغ كزعيم سياسي فلسطيني ثائر، غير أن نجمه لمع أكثر في الأردن ؛ حيث كانت توجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 و1967، فتوفر المناخ لعرفات كي يقوم بتدريب أفراد من قوات فتح التي عرفت باسم (العاصفة) ؛ وهو ما شجعه في الأمد القريب على تنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية من خلال التسلل عبر الحدود الأردنية إلى الأراضي المحتلة، أو من خلال استهداف الدوريات الإسرائيلية العاملة على الشريط الحدودي. وقامت عناصر العاصفة بشن هجمات على إسرائيل من الأردن ولبنان وقطاع غزة الذي كان يخضع للحكم المصري. وبعد حرب عام 1967 التي ألحقت فيها إسرائيل الهزيمة بالجيوش العربية، واستولت على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان، قامت جماعات المقاومة الفلسطينية بتكثيف أنشطتها ضد الاحتلال الإسرائيلي..ولم يبق في ساحة القتال ضد إسرائيل سوى حركة فتح. وقد اكتسب عرفات المزيد من الشهرة كقائد عسكري ميداني في عام 1968 عندما قاد قواته في القتال دفاعاً عن بلدة (الكرامة) الأردنية أمام قوات إسرائيلية أكثر عدداً وأقوى تسلحاً. وزرعت معركة الكرامة الإحساس بالتفاؤل بين الفلسطينيين، كما أدت لارتفاع راية قوى التحرر الوطني الفلسطينية بعد فشل الأنظمة العربية في التصدي لإسرائيل.. وبعد مضي عام على معركة الكرامة اختير عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها جامعة الدول العربية عام 1965
أيلول الأسود والانتقال إلى لبنان
في العام 1970 هاجم الجيش الأردني القوات الفلسطينية في الأردن بعد أن خطف رجال المقاومة أربع طائرات ركاب إلى مطار في صحراء المملكة، ووقعت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن سقوط ضحايا من كلا الجانبين وعرفت بأحداث(أيلول الأسود)، وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي الخروج من الأردن والانتقال إلى لبنان بعد أن نجحت مصر في إنقاذ عرفات من الموت المحقق في عمان وتهريبه سراً إلى القاهرة حيث حضر القمة العربية في سبتمبر 1970، فكانت أول قمة عربية تسلط فيها بقوة أضواء وفلاشات الكاميرات عليه.
ومع انتقال المنظمة إلى لبنان، واصل (الثائر) أبو عمار رحلة الكفاح المسلح، فشرع في ترتيب صفوف المقاومة معتمدا على مخيمات اللاجئين..وفي السنوات التي أعقبت انتقال عرفات إلى بيروت نفذ مسلحون فلسطينيون ينتمون لفصائل مختلفة عمليات تفجير وخطف طائرات واغتيالات، من أشهرها عملية خطف وقتل 11 رياضياً إسرائيلياً أثناء دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ميونخ عام 1972م.
في 13 نيسان 1973 حاولت إسرائيل اغتيال ياسر عرفات، في بيروت، حيث قامت مجموعة إسرائيلية ضمت بين أفرادها من اصبح لاحقا رئيسا لوزراء إسرائيل، ايهود باراك ..وقد تمكنت المجموعة من اغتيال ثلاثة من مساعدي عرفات ولكنها لم تعثر عليه ..وأكد مقربون منه ( أن معجزة سمحت له بالبقاء بعيداً) ..وفي الواقع لم يكن عرفات يمضي اكثر من بضع ساعات تحت سقف واحد وقد لف تحركاته بتكتم مطلق..
غصن زيتون وبندقية ثائر
وفي 29تشرين الأول 1974 أعلنت القمة العربية في الرباط منظمة التحرير(الممثل الشرعي والوحيد) للشعب الفلسطيني. وفي 13 تشرين الثاني 1974، تحدث عرفات للمرة الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قائلا:(أتيت إلى هنا حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من اجل الحرية في الأخرى..فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي) .. ومُنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية. وفي نيسان 1975، مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وقف عرفات في صف القوى التقدمية اللبنانية. وفي حزيران 1980: أصدرت السوق الأوروبية المشتركة (إعلان البندقية) الذي يطالب بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في أي مفاوضات لاحلال السلام. وخاضت المقاومة الفلسطينية الكفاح من لبنان ضد الكيان الإسرائيلي، ونتيجة لنجاح المقاومة الفلسطينية في حقبة السبعينيات في تسديد ضربات موجعة للاحتلال، قررت إسرائيل شن هجوم على قواعد المقاومة والقضاء عليها وهو ما توج بغزو بيروت عام 1982
من لبنان إلى تونس
بعد اجتياح بيروت وفرض إسرائيل حصاراً لمدة 10 أسابيع على المقاومة الفلسطينية، اكتسب خلالها عرفات احترام شعبه بصموده وشجاعته، وافق في 30 آب 1982على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية ومن ثم الانتقال إلى تونس التي شكلت المعقل الأخير لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1994. وحاولت إسرائيل اغتيال عرفات ثانية بعد انتقاله إلى تونس..
وقد تعرض مقره هناك، في الأول من تشرين الأول 1985 لقصف الطيران الاسرائيلي، ودمر بشكل شبه كامل في غارة أدت إلى مقتل 17 شخصاً، وكان عرفات في طريقه إلى مكتبه ولكنه عاد أدراجه مع بداية الغارة.
وتعرض عرفات طوال مسيرة قيادته لحركة فتح والمنظمة للكثير من حركات التمرد ضده، وكان أبرزها خلال فترة تواجد المنظمة في لبنان، حيث انشق عنه عدد من قادة الحركة ومن أبرزهم أبو موسى وأبو نضال، إلا أن دهاءه السياسي مكنه من تجاوز كل هذه الانشقاقات فظل متماســـكاً ومســـيطراً على المنظمــة وعلى فتح. وفي تونس، واصل ياسر عرفات تكوين شخصية الزعيم السياسي الذي يتبنى الحل السلمي .
.وكانت ارهاصات هذا التوجه قد تجلت، عمليا، في الخطاب الذي ألقاه عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13 نوفمبر 1974، والذي قال فيه:(إنني جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين).
. الجزائر.. نقطة تحول
وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 إلى تبني قرار مجلس الأمن الدولي 242 معترفا بذلك ضمناً بإسرائيل وفي الوقت ذاته، أعلن المجلس قرار إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة..وتلا عرفات إعلان استقلال الدولة الفلسطينية. وفي إبريل 1989 كلف المجلس المركزي الفلسطيني عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية ..
وفي 2 أيار 1989، خلال زيارة رسمية إلى باريس كانت أول تكريس لعلاقات دبلوماسية مع دولة غربية، أعلن عرفات أن الميثاق الوطني الفلسطيني اصبح (لاغيا) .
في عام 1990 وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت اتخذ عرفات موقفا فُسِّر بأنه مؤيد لخطوة الرئيس العراقي، آنذاك، صدام حسين ، مما انعكس سلبياً على القضية الفلسطينية، وتوقف دعم دول الخليج للقضية الفلسطينية.
وفي 1991 في أوج أزمة الخليج، انقلبت سيارة عرفات عدة مرات على الطريق بين عمان وبغداد..
وبعدها، في كانون الثاني 1992، تزوج عرفات من مساعدته سهى الطويل (28 عاماً)..وبعد شهرين، في نيسان 1992، تحطمت طائرته في الصحراء الليبية .. وقيل حينذاك انه قتل في الحادث ولكنه ظهر من جديد بعد ساعات من الحادث..
أوسلو.. غزة وأريحا
وبعد انتهاء حرب الخليج كان هناك إجماع دولي على ضرورة العمل من أجل تسوية القضية الفلسطينية دعماً للاستقرار في الشرق الأوسط. ولدفع عملية السلام أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص.. وفي عام 1991عقد مؤتمر السلام في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق. وفي 13 أيلول 1993 بعد ستة أشهر من المفاوضات السرية في أوسلو، وقّع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، في واشنطن، اتفاق أوسلو الذي جعل أضواء الإعلام الغربي تسلط عليه بكثافة، كما كان نقطة تحول بارزة في القضية الفلسطينية..وقد وقع الطرفان على (إعلان مبادئ)، هو عبارة عن اتفاق سمح للفلسطينيين بممارسة الحكم الذاتي في قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل. لكن لم تحسم عدة قضايا شائكة وأبرزها مستقبل المستوطنات المقامة على أراض محتلة، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم بعد حرب عام 1948، والوضع النهائي لمدينة القدس. وفي 1 تموز 1994 خرجت غزة عن بكرة أبيها لاستقبال عرفات والعائدين معه من (ثوار فتح) بحفاوة كبرى، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى..واتخذ عرفات من غزة مقراً لقيادته..وقد بدأ عرفات فور عودته إلى غزة، مسيرة سلام مرت بصعوبات بالغة..وفي نفس السنة فاز بجائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وشمعون بيريز.
وفي عام 1995 وقع عرفات ورابين بواشنطن على اتفاقية الوضع المؤقت التي مهدت الطريق لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية..وقد اغتيل رابين اثر ذلك، في نوفمبر- تشرين الثاني من عام 1995، بأيدي متطرف إسرائيلي، وهو ما شكّل انتكاسة لعملية السلام.
وواجه عرفات تحدياً ضخماً تمثل في السعي للحفاظ على التزام الفلسطينيين والإسرائيليين بما أطلق عليه(سلام الشجعان) .
شرع عرفات لدى وصوله إلى غزة، في تأسيس السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المختلفة، وعمل على إعادة تأهيل بعض المؤسسات وتدريب أفراد من الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن، مبشرا شعبه بقرب تحقيق حلم التحرير والصلاة في المسجد الأقصى..
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
وفي 20 يناير 1996 انتخب عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية في انتخابات ظل يفتخر دوما بأنها كانت حرة وشفافة في منطقة نادرا ما تشهد مثلها. في عام 1997 وقع الفلسطينيون برئاسة عرفات اتفاقية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتسلم معظم مدينة الخليل والذي تعطل كثيرا، بعد ذلك أصيبت عملية السلام بالجمود.
وفي عام 1998 وقع عرفات ونتانياهو على اتفاقية واي ريفر لانسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة الغربية، والتي جمدها نتانياهو بعد شهرين زاعما ان عرفات لم ينفذ شروطاً أمنية.
في 5 أيلول 1999 وقع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في شرم الشيخ في مصر اتفاقا يفتح الطريق امام مفاوضات حول تسوية سلمية نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين..
ويحدد الاتفاق شهر سبتمبر- أيلول عام 2000 موعدا لتوقيع معاهدة سلام دائمة.
فشل كامب ديفيد.. الانتفاضة
وشهد منتجع كامب ديفيد في 25 تموز - يوليو 2000 حيث شارك عرفات في قمة ثلاثية جمعته ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وصول عملية السلام إلى طريقها المسدود، إلا أن رفض أبو عمار تقديم تنازلات لإسرائيل في قضايا تتعلق بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس، أعاد إليه مرة أخرى قدرا من شعبيته بين الفلسطينيين. غير أن اصطدام السلطة بالمواقف الإسرائيلية المتعنتة أدى إلى انحسار التأييد الشعبي لمشروع السلطة الفلسطينية وقيادتها الممثلة في شخص عرفات..وساهم في ذلك الانحسار قيام السلطة الفلسطينية بملاحقة نشطاء فصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها تنفيذا لاستحقاقات الاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل، فتوالت على عرفات الاتهامات بأنه أصبح أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة الفلسطينية كما تزامن مع ذلك بداية الحديث المتصاعد عن فساد السلطة وتراخي رئيسها في مواجهته.
وبحلول عام ألفين توقفت تماماً عملية السلام، واشتعلت انتفاضة الأقصى في 29 أيلول، بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم المعارضة في ذلك الحين أرييل شارون الحرم القدسي.
اثر ذلك استقالت حكومة براك في إسرائيل، وتولى السلطة اريئيل شارون، زعيم اليمين المتطرف الذي عمل منذ توليه لمنصبه على تنفيذ مخططه الهادف إلى تدمير السلطة الفلسطينية.
وفي 3 ديسمبر- كانون الأول 2001، قامت الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون، خصم عرفات القديم واللدود، بفرض حصار عسكري عليه داخل مقره بمدينة رام الله بالضفة الغربية..بمساندة أمريكية، فكـــان أن حظي عرفات مرة أخرى بتعاطف كبير من جـــانب الشارع الفلسطيني في مواجهة الأصوات الإسرائيلية المتعالية والمطالبة بطرده أو تصفيته، فعاد الرمز الفلسطيني مرة أخرى للواجهة بقوة.
وفي 29 آذار 2002: غداة عملية استشهادية نفذتها المقاومة الفلسطينية، وختام القمة العربية في بيروت التي حُرم عرفات من حضورها، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوسع هجوم له في الضفة الغربية منذ حزيران 1967 ودمر الجزء الأكبر من مقر عرفات الذي بقي في المبنى الذي يضم مكاتبه تطوقه الدبابات الإسرائيلية.
وقد بقي على هذا الحال حتى ليلة الثاني من أيار حين رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار عنه.
وتعرض هنا الجزيرة، أبرز أحداث الحصار عام 2001
8 كانون الأول - ديسمبر: إسرائيل تعلن أنها تحتفظ لنفسها بحق منع عرفات من مغادرة رام الله للتوجه إلى الخارج.
13 كانون الأول- ديسمبر: إسرائيل تمنع الرئيس الفلسطيني من مغادرة رام الله وتنشر دبابات على بعد 200 متر من مقره العام..دمرت الطائرات الإسرائيلية محطة البث التلفزيوني والإذاعة الفلسطينية القريبة من مكاتب عرفات.
24 كانون الأول - ديسمبر: إسرائيل تمنع عرفات من التوجه إلى بيت لحم لحضور القداس بمناسبة عيد الميلاد.
وفي عام 2002
2 كانون الثاني - يناير: رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يعلن أن عرفات سيبقى في رام الله ما لم يوقف الذين قتلوا وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في تشرين الأول - أكتوبر من العام الماضي.
5 كانون الثاني- يناير: إسرائيل تؤكد مجدداً معارضتها لزيارة عرفات إلى بيت لحم للمشاركة في عيد الميلاد الارثوذكسي.
3 شباط - فبراير: 300 من الإسرائيليين اليهود والعرب يلتقون الرئيس الفلسطيني في رام الله لإدانة الاحتلال الإسرائيلي.
14 شباط - فبراير: وزير الخارجية البريطاني جاك سترو يدعو عرفات في لقاء طويل في رام الله، إلى وقف (العنف) .
16 شباط - فبراير: وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر يجري محادثات مع عرفات.
19 شباط - فبراير: لقاء بين عرفات ووزير الخارجية الاردني مروان المعشر.
9 آذار- مارس : وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني يقوم بزيارة (تضامنية) مع عرفات.
15 آذار- مارس: المبعوث الأمريكي أنطوني زيني يجري محادثات مع عرفات في رام الله التي انسحبت منها القوات الاسرائيلية بعد ان اعادت احتلالها لساعات.
19 آذار - مارس: شارون يصرح أن عرفات يستطيع أن يغادر الأراضي الفلسطينية (فور تطبيق خطة تينيت) لوقف اطلاق النار.
26 آذار - مارس: إسرائيل تمنع عرفات من التوجه إلى بيروت للمشاركة في القمة العربية.
29 آذار - مارس: بدء العملية العسكرية الإسرائيلية (السور الواقي) في الضفة الغربية..جيش الاحتلال الإسرائيلي يدخل رام الله ويطوق مقر عرفات ويدمر كل المباني باستثناء مكاتبه.
31 آذار- مارس: حوالي أربعين من دعاة السلام الغربيين يشكلون (درعاً بشرية) لحماية عرفات..إسرائيل تعلن رام الله (منطقة عسكرية مغلقة) .
2 نيسان - أبريل: جيش الاحتلال الإسرائيلي يستولي على مقر جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في رام الله وشارون يقترح على عرفات (رحلة ذهاب) فقط إلى الخارج.. عرفات يرفض الاقتراح.
4 نيسان - أبريل: شارون يعارض لقاء بعثة أوروبية مع عرفات.
13 نيسان - أبريل: عرفات يدين باسمه وباسم القيادة الفلسطينية (كل الاعمال الإرهابية التي تستهدف مدنيين سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين، والإرهاب سواء مارسته دولة أو مجموعات أو أفراد) .
14 نيسان - أبريل: وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يجري محادثات في رام الله مع عرفات ثم مع شارون.
17 نيسان - أبريل: لقاء ثانٍ بين عرفات وباول.
21 نيسان - أبريل: آرييل شارون يعلن انتهاء المرحلة الأولى من عملية (السور الواقي) بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من نابلس والجزء الأكبر من رام الله.
25 نيسان - أبريل: محكمة عسكرية تعقد جلسة في مقر عرفات وتصدر أحكاماً بالسجن لمدد تتراوح بين عام و18 عاماً على المتهمين باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي ..شارون يطالب بتسليمهم لاسرائيل.
28 نيسان - أبريل: وفد أمريكي يقوده قنصل الولايات المتحدة في القدس رونالد شلايكر يلتقي عرفات في رام الله..
الإسرائيليون والفلسطينيون يوافقون على اقتراح أمريكي يقضي بأن يرفع جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار المفروض على عرفات شرط سجن المتهمين باغتيال زئيفي واثنين آخرين من الفلســطينيين تطالب بهما إسرائيل تحت حراسة أمريكيين وبريطانيين في سجن أريحا.
30 نيسان - أبريل: الخبراء الأمريكيون والبريطانيون يقومون مع السلطات الفلسطينية بتسوية التفاصيل التقنية لرفع الحصار عن مقر الرئيس الفلسطيني (خلال 24 ساعة) .
1 أيار- مايو: قنصلا بريطانيا والولايات المتحدة يباشران محادثات مع عرفات حول طرق نقل الفلسطينيين الستة..في اليوم نفسه، تم نقل هؤلاء الفلسطينيين إلى سجن فلسطيني في أريحا بإشراف أمريكي وبريطاني.
2 أيار - مايو: جيش الاحتلال الإسرائيلي يغادر موقع مقر الرئيس الفلسطيني..
انهيار السلطة.. تدهور حالة الرئيس
خلال فترة الحصار تلك، أعادت إسرائيل احتلال أغلب مدن وقرى الضفة الغربية، وبعد ضغوط دولية، تعهد شارون بعدم استهداف عرفات أثناء تنفيذ العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي زعمت حكومة شارون إنها تهدف للقضاء على ما أسمته (البنية التحتية للإرهاب)، بينما وصفها الفلسطينيون بأنها (جرائم حرب) و (إرهاب دولة) . لكن التهديدات استمرت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين بإبعاده وحتى بقتله.
و في 11-9-2003 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً أطلقت عليه صفة (مبدأي)، بإبعاد الرئيس ياسر عرفات عن أرض الوطن..ولم تنفذ إسرائيل هذا القرار فعلياً، إلا أنها لوحت به بعد كل عملية استشهادية. وكان رد فعل عرفات للحصار الإسرائيلي إعلانه أنه (يتوق للشهادة التي سبقته إليها أعداد كبيرة من أبناء شعبه) . وخلال هذه الفترة اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة على عزل الرئيس عرفات واعتباره (غير ذي صلة)، وسعت واشنطن إلى فرض تعيين رئيس وزراء فلسطيني على أمل أن تتعامل معه في القضايا الفلسطينية، وتجاوز عرفات.. وفي عام 2003 عين عرفات أمين سر منظمة التحرير محمود عباس رئيساً للوزراء تحت ضغوط دولية للتنازل عن بعض سلطاته ، لكنه رفض التخلي عن سيطرته على القوات الأمنية فاستقال عباس وتم تعيين احمد قريع، خلفا له. وفي عام 2003، أيضا، صادق الفلسطينيون على خطة خارطة الطريق المدعومة من الولايات المتحدة..إلا أن إسرائيل رفضت تطبيق الخارطة رغم زعم تبنيها لها.. ورفضت إسرائيل إجراء أي مفاوضات مع عرفات أو مواصلة الاتصالات بينها وبين القيادة الفلسطينية، بل سعت إلى فرض المقاطعة الدولية على عرفات، بحيث أعلنت رفضها استقبال أي مسؤول دولي يقوم بجولة في المنطقة، ويزور عرفات. وبعد انتخاب شارون لرئاسة الحكومة، في دورة ثانية، بدأ تكثيف العمل في إقامة جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية، رافضا الانصياع إلى مقررات الأمم المتحدة التي اعتبرت الجدار عملا غير مشروع ومخالفا للقانون الدولي.. وبدأ شارون، في العام 2003، التحدث عن خطة الفصل الأحادي الجانب، المعروفة باسم (فك الارتباط) مع قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، والتي أصر على تنفيذها من جانب واحد دون أي اتفــاق مع الفلسطينيين..
وقد صادق الكنيست الإسرائيلي على هذه الخطة، قبل يوم واحد من تدهور صحة الرئيس الفلسطيني عرفات، يوم الأربعاء، الموافق 27- 10- 2004، ونقله، بعد يومين، يوم الجمعة، الموافق 30- 10- 2004، إلى باريس حيث حاول الأطباء تحسين وضعه الصحي وإنقاذ حياته في مستشفى بيرسي العسكري، إلا أن قدر الله نافذ، حيث التحق الرئيس الفلسطيني (الرمز) إلى الرفيق الأعلى مساء يوم الثلاثاء ، 26 رمضان 1425 هـ، الموافق 9- 11- 2004..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved