Saturday 13th November,200411734العددالسبت 1 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

المنشود المنشود
العيد و.. الفقد!!
رقية الهويريني

منذ ثلاثة عشر عاماً.. فقدت أسرة صغيرة والدتهم الغالية في شهر رمضان، قبل حلول عيد الفطر المبارك بأسبوعين! تلك كانت والدتي العزيزة!! حيث حل علينا - نحن الأشقاء - العيد حزيناً، كئيباً، لا يحمل ألوان الطيف المعتادة، فخيمت على أسرتنا الصغيرة سحابة من الحزن! ومازالت عائلة الفقد تداهمنا في كل مناسبة نجتمع فيها دون ذلك السراج الذي كان يضيء دروبنا، وتلك الخيمة التي كانت تحتوينا فنجتمع، نتفيأ تحت ظلالها ونتدثر بأروقتها، تقينا لفح حرارة الصيف وزمهرير رياح الشتاء!! ومن فقد والديه أو أحدهما سيشعر - حتماً - بطعم الألم يتحلب في فمه، وبمرارة الفقد تعصر قلبه!!
ومن المشاهد والمسموع أنه ما بين عيد هذا العام وعيد العام السابق، فقد بعض الأسر عضواً أو أكثر من أفرادها، ولا شك أن مشاعر الفقد ولوعة الفراق تتكرر نفسها في كل وقت وعند كل مناسبة، ولاسيما في الأعياد.
إن الذين يغيبهم الموت، ونفقدهم سنوياً، إما بسبب الشيخوخة وتقدم السن أو بسبب أمراض مستعصية أو حوادث سير قاتلة وغيرها.. هؤلاء الذين يغادروننا للآخرة دون رجعة، إنما يتركوننا بقضاء الله وقدره وسنته في خلقه، وما على المرء إلا التسليم بقضائه، إلا أننا لا نفتأ نتذكرهم، ونتألم، ويجتاحنا الحزن، ويوجعنا الفقد على فراقهم، وتختنق الفرحة في قلوبنا، ولا نعترض على القضاء، بل نترحم عليهم، وندعو الله أن يبدلهم بعيد الدنيا المؤقتة الزائلة بنعيم مقيم بضيافة رب كريم..
وهذا العام.. يأتي العيد، قد سبقته أعياد عديدة، غيب الموت خلاله وجوهاً كانت تشرق بالحب، وتطفح بالبشر، وتشكل لمن حولها شلالاً من الأمل والعطاء، وليس هذا مجالاً لتقليب الألم واسترجاع ذكريات الأحبة، بيد أنها زفرات الوجع التي أجزم أن الكثيرين يشاركونني فيها!!
هبوني بيتاً لم يزره الموت ويغيب منه أعزاء! دلوني على قلب لم يعصره الألم، وكبد لم تفتتها قسوة الفقد، وفم لم يتجرع مرارة البعد، وظهر لم يقصمه الفراق ومكابدة البين!!
كلنا في الوجع نتشابه، وفي مشاعر الفقد نتماثل!! ويبقى الإيمان بالله والتسليم بقضائه هو المعين الذي نستمد منه القوة والسير في الحياة التي لا تتوقف - ولن تتوقف - بموت والد أو ولد، أو أخ حبيب، أو صديق حميم!
ويأتي العيد هذا العام، وستتلوه أعياد متواترة، وسيلبس الأطفال الجديد، ويدعو الناس لبعضهم بالعمر المديد.. وسوف تستمر دائرة الأيام، وستتوالى الأعياد، وسيدخل الفرح - يوماً - قلوب المكلومين.
وقبل أربعة عشر قرناً فقد المسلمون سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم - وليس ألم أشد من فقده عليه الصلاة والسلام - ومع هذا فقد مرت أيام وسنون فرح بها المسلمون بالنصر، واستبشروا بالفوز، وتزوجوا وأنجبوا.. وهكذا يبقى الموت والفناء هو الوجه الآخر للولادة والاستمرار, وما زالت الحياة تنبض وتستقبل المواليد القاديمن كما تحتضن المقابر الموتى المغادرين.
وطالما هناك جدلية الموت والحياة فلابد أن نبيح للسعادة موقعاً في قلوبنا، وأن نجعل للبهجة مرتعاً بين جوانحنا، وأن نسمح للسرور بالتضوع في نفوسنا، ونستقبل العيد بتفاؤل واستبشار وفرح، وبأحياء جدد، على أن لا نزهو ويأخذنا العجب، كما لا نغرق بالأسى والحزن، نداوي جراح المكلومين بيد، ونشارك المنشرحين باليد.. الأخرى!!
وكل عيد.. وأسرتي الصغيرة والكبيرة، وأسرة (جريدة الجزيرة) والقراء الكرام، ووطني الحبيب، بخير و.. هناء وسعادة!!

ص.ب 260564 الرياض 11342


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved