* استطلاع - ماجد التويجري :
شهر رمضان شهر الرحمة والغفران ، والمتأمل في حال بعض المسلمين فيه يجد آثار التوتر والانزعاج بحجة الصوم ، والأمثلة كثيرة نراها في مواقع العمل المختلفة .. فعندما تحدث شخصا ما فكأن هموم الأرض فوق رأسه ، حتى الابتسامة مفقودة بحجة إمساكه عن الأكل والشرب ، وهذا بلا شك يولد مفهوما خاطئا عن الصيام الذي له حلاوة كبيرة ولذة إيمانية عميقة مفهومه الراحة والاطمئنان. (الجزيرة) أجرت استطلاعا عن هذا الموضوع وأثره الشرعي.
الشيخ سعد بن عبد الله الشبانات إمام مسجد التقوى بحي الفيحاء بالرياض قال : نشاهد في هذا الشهر الفضيل كثيرا من الظواهر التي تظهر في وقت الإمساك عن الطعام والشراب ؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد البعض وهو راكب في سيارته قد لف شماغه على فمه وبدت عليه آثار الانزعاج والتوتر ، لأدنى سبب يشتم ويشير بيده على من ضايقه في طريقه أو سبقه إلى موقف أو أغلق عليه خروجه أو دخوله ، يا ترى هل الصوم يدفع إلى هذا الانزعاج والتوتر ؟!
ومن زاوية شرعية بحتة تجد أن الصوم ما شرع إلا لتحقيق أمر عظيم ذكره الله في آية الصيام في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ.... } إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، إذن المقصود من فريضة الصيام هي تحقيق تقوى الله في جميع أفعالنا ، فلا سباب ولا غضب في وقت الصيام بشكل خاص ؛ فليس المقصود من الصيام أنك تجوع وتظمأ فالله لا يريد أن يعذبنا أو أن يفرض علينا هذه الفريضة بدون حكمة ، وإنما يريد أن يؤدبنا لأن الجوع والعطش يخففان من حدة الشهوات والشرور لدى الإنسان ، فتخف رغباته وشهواته وطمعه في الدنيا وإقباله عليها .. وما زال السؤال يتكرر مرة أخرى لماذا يظهر هذا السلوك لدى بعضنا ما دام أن هذا هو المقصود من الصيام ؟ أقول إن هذه النوعية من الناس أحست أن الصوم يحرمها من لذاتها وشهواتها وعاداتها التي تعودت عليها بمعنى آخر أنه قلب نظام حياتهم ؛ فالطبيعة البشرية دائما تحب وتألف الاستقرار على الشيء وعدم تغييره ، حتى وإن كان عادة سيئة كشرب الدخان مثلا لذلك تجد هذا الاستياء وعدم القبول خصوصا في أول رمضان ثم بعد ذلك يعتاد الناس على ذلك ، ومن أهم الأسباب التي أرى أنها نافعة للاستفادة من الصوم في تهذيب النفس أن يهيئ الإنسان نفسه لاستقبال شهر رمضان كرياضة نفسية .. ومن وسائل ذلك صيام بعض الأيام من شهر شعبان كما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، فلقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها - أنه كان يصوم أكثر شعبان ، وذلك استعدادا لاستقبال شهر رمضان ، فهذا نوع من أنواع التهيئة النفسية التي تعين على صيام رمضان والاستفادة منه كما يجب ، وأجد أن هذا من أهم الأسباب التي لو فعلت لتلاشت هذه الظواهر بشكل كبير. أما الأستاذ إبراهيم الأمير فقال عن هذا الموضوع : إن المتأمل لحال الناس في رمضان - لا أقول كلهم ولكن جلهم - ليحزن قلبه ، وتدمع عينه لما آلت إليه حالهم من استثقال له وتكاسل فيه .. بل إننا لا نكاد نلتقي بصائم في دائرة حكومية ، أو مؤسسة خاصة ، أو حتى في شارع أو سوق إلا ونلحظ ذلك الضيق الواضح على الوجوه فالحواجب معقودة ، والوجوه عابسة وكأن الصائم يهم بلقاء عدو له ؟! أضف إلى ذلك سوء الخلق وسوء التعامل وعدم احتمال أي تصرف من الآخرين ، بل قد يتجاوز الأمر عند البعض إلى السب والشتم لا لشيء إلا لأنه (صائم) .. ناسيا أو متناسياً فرحة الرعيل الأول من الصحابة والسلف الصالح عند قدوم رمضان يستقبلونه كما يستقبل الواحد منا ضيفا عزيزا عليه ، حتى إنهم كانوا يسألون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم رمضان ويسألونه ستة أشهر بعده أن يتقبل منهم. وأين نحن من حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) ، أما نحن وللأسف فقد أصبحنا نستقبله استقبال ضيف ثقيل علينا وننتظر رحيله ، ومع أن رمضان - وبكل أسف - أصبح يشكل عبئا ثقيلا على بعضنا فما أن يهل هلاله حتى ينتظر هلال العيد وعندها فقط تتهلل أساريره وتحل فرحة في قلبه وتتبدل أحلامه.
ثم إن الباحث عن أسباب ضيق الناس في رمضان وعدم احتمالهم لتصرفات الآخرين أو عدم تحملهم لأداء أعمالهم في هذا الشهر الكريم ليجده واضحا في عدم اعتيادهم على الصوم ، فما أن ينقضي شهر رمضان إلا ويودع البعض الصيام إلى حلول رمضان القادم ولو اعتادوا الصيام لتاقت النفوس له واشتاقت القلوب للقائه ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ! كيف أصبحت أخلاقيات الناس وسلوكياتهم مرتبطة بمعدتهم لا بعقولهم نسأل الله الهداية والإخلاص .. كما نسأله أن نكون ممن صام رمضان إيمانا واحتسابا فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.ويواصل هذال بن فهد آل وقيان الحديث قائلاً : بعض الصائمين قد تبدر منه بعض العبارات المرفوضة والأفعال القاسية ، ويلصق ذلك كله بامتناعه عن الطعام والشراب وهذا خلاف مقصود ومفهوم الصيام وطبيعته كما قال - صلى الله عليه وسلم - (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. ونشاهد بعض الصائمين - هدانا الله وإياهم - وهو ذاهب إلى المسجد أو العمل أو إلى أي مكان في حال يرثى له .. ويضيف ان الصائم يجب أن يكون صاحب كلمة طيبة ونفس هادئة وذو معاملة كريمة ولا ننسى قول الله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) .. نسأل الله العلي القدير أن يصلح حال الأمة وأن تكون أخلاق المسلمين مغلفة بالحسن امتثالا واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
|