إن مَنْ يحرم إشراقات أيام وليالي رمضان المباركات وما خصها بها الله عز وجل من نعماء ومن جزيل العطاء، فإنه بلا شك قد حرم الخير الكثير والفضل الذي لا يعوض في باقي الأيام.
وهناك من الطرائف عند بعض القوم ما يدعو إلى التفكه به واستطابته، أما ما يثير عليه حفائظ النفوس. ومن هذا وذلك نستعرض شيئاً مما كان يأتي على ألسنة الشعراء عن الصيام وهم الذين يقولون ما لا يفعلون، وقد زخر الديوان العربي بأشعارهم التي أرسلوها هكذا بعفوية وتمرد في آن، بينما يأتي على ألسنة بعضهم الآخر كلام يكاد يضعهم في صف من أحفاد إبليس اللعين، أعاذنا الله وإياكم منه ووقانا شر أحابيله العجيبة.
فمثلاً الشاعر ابن الرومي الذي عرف عنه الشره بالطعام، كان يضيق بالصيام، وله عدة قصائد شعرية في استهتاره، ومدى ما يجده من صعوبة في أداء هذا الفرض الذي لم يوفق للإقبال عليه، فهو يقول:
شهر الصيام مبارك لكنه
جعلت لنا بركاته في طوله
إني ليعجبني كمال هلاله
وأسر بعد كماله بنحوله
بل إنه قال:
شهر الصيام وإن عظمت حرمته
شهر ثقيل بطيء السير والحركة
يمشي رويداً فأما حين يطلبنا
فلا السليك يدانيه ولا السلكه
كأنه طالب ثأراً على فرس
أجد في أشر مطلوب على رمكه
شهر كان وقوعي فيه من قلقي
وسوء حالي وقوع الحوت في الشبكه
يا صدق من قال: أيام مباركة
وإن كان يكنى عن اسم الثقل بالبركه
أذمه غير وقت فيه أحمده
وقت العشاء إلى أن تصقع الديكه
وقال البحتري في هذا المجال:
طال هذا الشهر المبارك حتى
قد خشينا بأن يكون لزاما
كم صحيح قد ادعى السقم فيه
وعليل قد ادعى البرساما
ولخير من السلامة عندي
للفتى عله تحل الحراما
وكذا عن بشار وَرَدَ:
قل لشهر الصيام أنحلت جسمي
إن ميقاتنا طلوع الهلال
اجهد الآن كل جهدك فينا
سترى ما يكون في شوال
وللثعالبي أيضاً:
رمضان أمرضني وأرمض باطني
صادات صيد كالطبائع أربعة
صوم وصفراء تجرعني الردى
وصبابة وصدود من قلبي معه
وقد كتب أبو علي البصير مرة إلى ابن مكرم في شعبان:
كتبت إليك في آخر يوم من أيام الدنيا بإدبار شعبان، وأول يوم من أيام الآخرة بإقبال شهر رمضان.
قال أحد الشعراء يتهكم:
اسقني الكأس يا نديمي فقد عاد
بعيد الصيام عهد الوصال
ما رأينا الهلال حتى رأينا
كل شخص منا شبيه الهلال
وشاعر آخر يصف مواعيد حسنائه بهذا التضمين المستتر، فيقول:
نبئت أن فتاة كنت أطلبها
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
إنه لون من الاستهتار، إذ يزعم كيف استطال هذا الشهر إلى الحد الذي لا يرتاح إليه.
وفي المقابل فإننا نجد الشاعر العربيد (أبو نواس) بعد أن قال ما قال في شهر الصوم من حيث السوء نجده بعد أن أعلن توبته في أواخر أيام حياته يقول مستطيباً بقاء هذا الشهر الجليل السنين الطوال:
شهر الصيام غدا مواجهنا
فليعقبن رعية النسك
أيامه كوني سنين ولا
تضني فلست بسائم منك
وهذا ابن سكرة الهاشمي وكان ضعيف الحال يتحدث في شعره عن أوضاع الصائمين من الفقراء فيقول:
وهنوا بالصيام فقلت مهلاً
فإن طول عمري في صيام
وهل فطر لمن يمسي ويضحي
يؤمل فضل أقوات اللئام
ونختم بأروع ماقيل في مناسبة تقديم التهاني والتبريك بهذا الشهر الكريم، من مطلع قصيدة الشاعر البحتري في امتداحه للخليفة، حيث يقول:
بالبر صمت وأنت أكرم صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
أيها الصائمون
على بركة الله صوموا وقوموا وزكوا وافعلوا الخير واقرأوا الذكر، وتجنبوا الكذب وقول الزور والغيبة والنميمة والاستهتار والغمز واللمز، تسلموا وتطيعوا ربكم تنالوا الفضل الكبير والثواب الجزيل.
(*)عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية