لا أدري حين يطلع الآخرون على هذا المقال، في أي مذهب سأصنف، وفي أي تيار سأقحم، وتحت أي منظار سأقع، ما كاد زمن الحلقة التمثيلية التي لامست التعليم، عبر العمل الفني الناقد (طاش ما طاش)، أقول: ما كاد ينتهي حتى فوجئت بالعديد من الرسائل (الإخوانية) الإخوانية، كما اصطلح عليه نقاد الأدب، لا كما يوجد في قواميس الجماعات الحركية، حتى لا يضعني الممثلون في دائرة الاتهام. رسائل عديدة وردت، تحمل في مضامينها الجد حينا، والهزل حينا آخر، هذا فضلاً عن أحاديث المجالس التي يطيب للناس فيها - بحكم الفراغ - الخوض في حلقات هذا البرنامج، بما يحتوي عليه من حقائق، لا يستطيع أي واحد البوح فيها مع نفسه أحياناً، فضلا عن طرحها مع الآخرين، وتلك مشكلة أزلية تعددت أسبابها، قد لا نقوى على طرحها عبر هذه الوسيلة، أو بتعبير أدق لا يستحسن، أمام المشهد (الكوميدي)، الذي يمثل الوجه الآخر لأسلوب حياتنا الحقيقية، ومجال تفكيرنا زادت قناعتي بالأثر الكبير الذي تلعبه الأعمال الفنية في الوسط الاجتماعي عندنا، وأدركت قوة التأثير المصاحب للعمل، متى كان مداره القضايا الاجتماعية، والأخلاقية، وبخاصة متى استطاع الكاتب القدير والممثل البارع أو حاولا أن يضفيا على القضية صدقاً حقيقياً عبر الوسائط الفنية، أطمئن صاحب الفكرة أن كل جزئية من جزئيات أفكاره، وكل موقف ومشهد عرضه نال نصيبه من اهتمام المسئولين، على تفاوت في درجة الأهمية، فلا جديد في كل ما عرض إلا في طريقة اخراجه، ووسيلة كشفها، وما صاحبه من نكت.
* الفكرة العامة في ذلك العمل واضحة تمام الوضوح، وأهدافها جلية، وهي وإن كان فيها شيء من المبالغة، إلا أن هذا ما يفرضه طبيعة العمل الفني الذي يتخذ أحيانا من غير المعقول معقولا، ومن غير الحقائق حقيقة، كي يبني عليها الكاتب حبكة العمل، وإلا كان مصير هذه الأعمال الفشل، وافتقدت الجمهور النافخ لها، فلا تضيقوا ذرعاً معشر المستهدفين، ولا يجركم هذا الصنيع إلى الخوض فيما أنتم أجل وأسمى، فالكثير منكم هم الذين حملوا مشكاة العلم، وخرجوا أجيالاً أسهمت في خدمة الدين والوطن والمجتمع.
* ومع ذلك فثمة أفكار جزئية مهمة، تخللت المشاهد قد لا يلتفت لها بعض المشاهدين، لانصرافهم للفكرة العامة، منها ما يتصل بالمبنى المدرسي، أو ما يمكن تسميته بالخلية في سياق المشهد، فردهاته محاطة بأسيجة وقواطع حديدية، على مرأى من الزائرين لهذه المؤسسات التربوية، عفواً المعسكرات، احتراماً لرأي المخرج، وربما كان في عرضها للمشاهد رمز للطريقة التسلطية التي نمارسها مع الطلاب، ونحاول أن نطبع عليها الجيل، كي ينقادوا إلى ما نريد.
* ومشهد ثالث لمكتب الإدارة المدرسية في العصور السلفية، لا في عصر التقنية، فالطريقة بدائية في تنظيم المكتب. الأضابير مبعثرة هنا وهناك، التعاميم يمنة ويسرة، الرسوم البيانية، ولوحات الشرف تسر الشامتين، الخلاصة أن المشهد بإيحاءاته جعلني ألتفت إلى ما حولي، وبدأت بالنفس قبل الآخرين، ولا ضير علينا في ذلك.
* موقف الوكيل والمعلم، بصرف النظر عن مدى تمثيله للواقع من عدمه، إلا أن يثير موضوع العلاقة الشخصية، والروابط الاجتماعية وأثرها في تقويم العمل، كما تكشف سطحية التعامل بين الرئيس والمرؤوس، والمهارات الأساسية التي ربما يفتقدها قادة العمل التربوي في الميدان، النمطية التي تدار فيها - ما يسمى سابقاً جماعات النشاط - ومحاولة صبغها صبغة قديمة تربط الطلاب بحياة السلف، وأساليب تلقي العلم، حتى وإن حاكت عصور الانحدار، أحادية الرأي والفئوية التي تمارس داخل المؤسسات التربوية وأثرها القوي في صنع القرار وتنفيذه، والتدخل في الخصوصيات، كل تلك الظواهر جلاها بوضوح الموقف من المعلم الأجنبي والطالب وولي أمره، فهل وعينا معشر المعلمين والمربين، أم ننتظر عملاً فنياً آخر يكشف المستور، ويعرضنا للمحاكاة أمام المجتمع والتاريخ.
|