Thursday 11th November,200411732العددالخميس 28 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أما دمشق فجنان معجلة أما دمشق فجنان معجلة
وسيلة الحلبي



دمشق بواديها رياضٌ نوافرٌ
بها ينجلي عن قلب ناظرها الهمُ
على نفسه فليبك من ضاع عمره
وليس له فيها نصيب ولا سهم

دمشق أيتها العريقة، أيتها الرائعة، أيتها العروس الخجلى يا من يتوسطك المسجد الأموي فيرى الزائر الحجارة الكنعانية، وبقايا أعمدة معبد جوبيتر، والآغورا. ودمشق أيها المدينة العربية التي لا تقدس الخط المستقيم، ولا ترفع الجدران العملاقة، ولا تصغره الإنسان أمام عظمة المعابد وأحجارها.
ففيك يا دمشق يرى الإنسان أن النقوش والزخارف قريبة منه ووسط حياته اليومية مختلطة بالظلال والعرائس والمياه، حيث تقع عيون الزائر لهذه المدينة (الجلق) مباشرة على أثار مهمة بعد مسجدها الأموي المشهور بقيمته المعمارية والتاريخية، إذ يرى (العدلية والظاهرية) الأثرين اللذين يرتبطان بالأسرتين الظاهرية والأيوبية التي جمعت فيها الكتب الباقية من المدرسة الضيائية في الصالحية والعدلية التي اعتبرها كبار العلماء والكتاب وأعضاء المجلس العلمي، حيث يوجد فيها ضريحا بطلين من عصر النور العربي: ضريح نور الدين وضريح صلاح الدين الأيوبي. وبالقرب من هناك يوجد خان أسعد باشا ذو القيمة المعمارية العالية وقد جمع فيه أسعد باشا أهم كنوز دمشق، وبناه من أحجار بيوتها القديمة، وترى آثار البحرات على الأرض وتطريزات من الرخام النفيس وكتابات في الحجر من زمن السلجوقيين ويترك لك (سوق البزورية) نكهة خاصة بما يختزنه من تقاليد دمشق في الذوق، وما تجده في خبرة بائعية ومفرداتهم من تراث دمشقي حيث تعبق في ذلك السوق رائحة العطور والتوابل والأعشاب، وتزينه علب الحلوى الدمشقية، وملبس العرائس والشموع. في تلك الأسواق وعند الخانات تتذكر بداية المسرح السوري أيام أبي خليل القباني، وتتذكر المقاومة الوطنية السورية، فهناك مرّ حسمن الخراط الذي كان حارساً ليلياً في الشاغور، قبل أن يلتحق بالثورة السورية ويحاصر قصر العظم مضطراً الجنرال سراي إلى الهرب منه في ملابس امرأة.
وإذا مشيت من المسجد الأموى شرقاً وسط الحارات ترى البيوت الدمشقية التي تكتنز النقوش الدمشقية زخرفة العمارة العربية مبهوراً بأرض الدار ومافيها من الحجارة المرصوفة السوداء والبيضاء، ومن الرخام أو البحرات كبيت المجلد، تكتشف أنك وصلت إلى باب السلام في يسر وسرعة وتكتشف بذلك عبقرية تصميم الطرق في المدينة العربية.
وأن تزور طاحونة قديمة قرب باب السلام يرافقك سور دمشق في طريق لا مثيل له من باب نوما، وقد تستقبلك القلعة التي ارتبطت بتاريخ دمشق وأحداثها حتى عصرها الحديث التي أقام فيها نور الدين الشهيد ورمم أسوارها ومات فيها ودفن فيها صلاح الدين حتى تم نقله إلى ضريحه بالقرب من الجامع الأموي وقد كان آخر ما اقتحمه تيمور لنك من دمشق والمتجه جنوباً بعد زيارة القلعة يرى حي القنوات وحاراته ذات القناطر المنخفضة وواجهاته المطرزة وفيه بوابة كبيرة هي المدخل إلى بيت أبي الشامات الذي استقبل فيه الملك فيصل أيام الحكومة العربية الأولى وتمر بواجهة بيت فخري البارودي المتميزة في الحي. أما زيارتك لأحياء دمشق خارج السور: فيرى سوق ساروجة والميدان والصالحية والقنوات والمقيبة والعمارة والشاغور وتحتوي على الآثار التاريخية والأضرحة، ولا ننسى محطة الحجاز وباب توما، والتكية السليمانية، وحديقة المنشية، والمدرسة الشامية البرانية، وساحة الشهداء التي تحتوي على الأحداث التاريخية.. وهكذا تمتزج الأحداث التاريخية بالأمكنة، والآثار المعمارية وتعتبر كنزاً من الكنوز نقرأ فيها الحضارة والأحداث معاً فنراها تطل علينا في ثنيات دمشق وتلتقي الأنماط في حضن العمارة العربية التي تطبع دمشق القديمة وأحياءها العربية خارج السور وداخله. فدمشق الشامخة عبر التاريخ هي مدينة الآثار الشرقية الإسلامية في بلاد الشام.
والذي يزور دمشق يتمنى زيارة حماماتها الشهيرة ذات القيمة الأثرية وهي (حمام الجوزة) في حي ساروجة من القرن السادس الهجري و(حمام الورد) و(حمام الغرماني) في سوق العتيق و(حمام العمري) و(حمام الخانجي) قرب سوق الهال، و(حمام أمونة) في العمارة وحمام (الملك الظاهر) في باب البريد قرب المكتبة الظاهرية.
و(حمام السلسلة) في الكلاَّسة قرب الجامع الأموي، و(حمام نورالدين) في البزورية و(حمام البكري) في باب توما، و(حمام القميرية) في باب توما (وحمام الحدادين) في الدرويشية و(حمام الجديد) في باب السريجة، و(حمام عزالدين) و(حمام السروجي) و(حمام شيخ حسن) و(حمام الرفاعي) في القرن العاشر الهجري (وحمام الدرب) في الميدان و(حمام البروزي) في باب السريجة و(حمام المقدم) في حي الشيخ محيي الدين.
قال الشاعر:


بقاع دمشق للأمير بشائر
فقف بمغاني جنكها مترنما
بقاع إذا قوس الرباب بسهمه
رماها عذت بالوشي برد اسهما

وأرض دمشق غنية بما تضمه من مدارس قديمة وأضرحة تعود إلى عدد كبير من الصحابة الكرام وآل البيت والأمراء والحكام، فمن الصحابة: بلال بن رباح، مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأبو الدرداء، ومعاوية بن أبي سفيان، وصهيب الرومي، وشرحبيل بن حسنة، وخولة بنت الأزور، وضرار بن الازور.
ومن السلاطين والأمراء: نور الدين، وصلاح الدين الأيوبي، والملك العادل، والظاهر بيبرس.
ولا أنسى جبلها العظيم قاسيون، وقاسيون هو الجبل الأشم الذي تقوم مدينة دمشق عند أقدامه..


من قاسيون أُطلُ يا وطني
فأرى دمشق تعانق الشهبا

ولا ننسى الغوطة الغناء، وعين الفيجة، ونهر بردى الآخاذ.
وفي سفح قاسيون الأدنى (بيت أبيات) حيث كان يسكن أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام، وفي أعلاه قتل قابيل أخاه هابيل، ففتح الجبل فاه لفظاعة هذا العمل يريد أن يتبلع القاتل.
وأخذ الجبل يبكي حزناً على هابيل وبقي لون الدم على الصخرة التي قتل عليها هابيل ظاهراً بادياً، وفي كهف جبريل جاءت الملائكة إلى آدم تعزيه بابنه هابيل.
وفي شرق قاسيون الجبل الأشم كان مولد إبراهيم الخليل عليه السلام في قرية (برزة). وفي قاسيون أوى عيسى وأمه عليهما السلام. وقد احترس فيه النبي يحيى من رجل من قوم عاد في الغار الذي تحته. وفيه احترس نبي الله إلياس من قومه، وفيه صلى الأنبياء إبراهيم ولوط وموسى وعيسى عليهم السلام.
وفي غرب قاسيون الشامخ يرى الزائر لدمشق الربوة التي أوى إليها المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام، وقرب الربوة كان في اليزب مسكن (حنَّة) أم القديسة مريم وجدة المسيح عليه السلام.
وقال عنها ابن بطوطة: (هي أجمل مناظر الدنيا ومنتزهاتها، وبها القصور المشيدة والشريفة والبساتين البديعة).
ويقول البدري عنها: (إنها أعظم المحلات وأخضرها وأنضرها، حسنة الثمار، كثيرة الأزهار).
أما ياقوت الحموي فقال عنها في معجم البلدان: (قرية مشهورة بدمشق على بعد فرسخ وسط البساتين انزه مكان عرفته).
ومنها يخرج نهر بردى من سجنه الضيق بين شقي الجبل والمزة وقاسيون وينقسم فيها إلى عدة أنهار وهي (يزيد، وثورا من الشرق والشمال، وقناة الداراني ثم قناة المزة، ثم القنوات وبانياس بأسفل الوادي يسيل ما بقي من المياه في بردى. وكانت الربوة والصالحية وقاسيون مصيفاً للملوك والأمراء بنوا فيها قصورهم وملاعبهم، وسكنها خلفاء بني أمية وبني العباس بعدهم، وفي قمة قاسيون بني الخليفة المأمون مرصده الفلكي الشهير لرصد الكواكب والنجوم. وفي قاسيون قبر النبي (ذي الكفل) في كهف جبريل، ومقام النبي يونس، وقبر العلامة العربي محيي الدين بن العربي، وفيه صلى أنباء الله إبراهيم وموسى وعيسى وأيوب عليهم الصلاة والسلام كما ذكرنا سابقاً.
وعلى سفح قاسيون تقع الصالحية وهي وهي مشتهرة بوردها وشجرها وكان فيها نخل قطعه (تيمور لنك) وهي عبارة عن دمشق الجديدة وفيها أول مدرسة اسمها (العمرية) وهي منطقة فاخرة بالقصور ودعيت بالصالحية نسبة لأولئك الفلسطينيين الذين عرفوا بعلمهم وتقواهم وصلاحهم بالصالحين. قال فيها الشعراء:


الصالحية جنة
والصالحون بها أقاموا
فعلى الديار وأهلها
مني التحية والسلام

هذه هي دمشق وهذه هي الشام، وكل ما أكتبه وأنقله للقراء الأعزاء نقطة في بحر من هذه المدينة القابعة تحت أقدام قاسيون:


الشامُ شامةُ وجنة الدنيا كما
إنسان مقلتها الغضيضة جلق
من اسمها لك جنة لا تنقضي
ومن الشقيق جهنهم لا عرق

وأما دمشق فقيل فيها:


أما دمشق فجنات معجلة
للطالبين بها الولدان والحور
ما صاح فيها على أوتاره قمر
إلا يغنيه قمري وشحرور
يا حبذا ودرع الماء تنسجها
أنامل الريح إلا أنها زور

وقال البحتري:


العيش في ليل داريا إذا بردا
والراح نمزجها بالراح من بردا
إذا أردت ملأت العين من بلد
مستحسن وزمان يشبه البلدا
أما دمشق فقد أبدت محاسنها
وقد وفى لك مطربها بما وعدا
يمشي السحاب على أجبالها فرقاً
ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبعد إلا واكفاً خضراً
أو يانعاً فضلاً أو طائراً غرداً
كأنما القيظ ولى بعد جيئته
أو الربيع دنا من بعدما بعدا

* وبعد:
مهما قلت فيك يا شام تبقى شهادتي مجروحة، ومهما كتبت عنك يا شام، تبقى كتاباتي مجروحة أيضاً، فإن قلت فعندي عجز في الكلام، وإن كتبت فعندي عجز في البيان، وتبقين دمشق أكبر من كل كلام.. يا موطن الصالحين.. يا بلد الفقراء والأغنياء، يا أرض البطولات والأمجاد ...... تلك لا تحصى، فدمشق حدائق ربوتها عاطرة الأزهار والأكمام، فكأنها عروس تجلى وقد فاقت بمحاسنها الأقمار، بل هي جنة عدن في الدنيا.
لحظة عطاء


سقى دمشق وأياماً مضت فيها
مواطر السحب ساريها وغاديها
ولا يزال جبين النبت ترضعه
حوامل المزن في أحشا أراضيها

لحظة دفء


من يقول أنساك يكذب.. ما نسيتك..
كيف وأنت القلب من دونك عصاني
أنت لو تظمأ من عروقي سقيتك
وإنت لو تبعد يصير العمر فاني

* الأحداث التاريخية من كتاب دمشق أقدم عاصمة في العالم
للتواصل: 2317743
ص. ب 40799 الرياض 11511


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved