رغم أن الجرائم تحدث في أي مكان وزمان، ولا توجد بقعة منزهة او ملائكية ترسم صورة زاهية للسلوك البشري على أرض الواقع، الا أن ما تتداوله اذهاننا من خلال بعض الأحداث الاجرامية التي تحدث في مجتمعنا لهي أمر أبعد من التصور نظراً لبشاعتها، وقد أرى أنها تفوق طاقة الاحتمال وهي تهز مشاعرنا من الداخل.
أظنكم قرأتم خبراً مقززاً تناول جريمة ظالمة بحق مواطن من مكة المكرمة، وطاعن في السن وكادح في الحياة، وهو ما نشرته صحيفة (عكاظ) قبل ايام عندما تتبعه شابان مستهتران لمجرد اصطحاب محارمه معه في (الليموزين) التي يعمل بها ويأكل منها لقمته مع اثني عشر فرداً هم اسرته.
كان الشابان يمارسان التحرش وملاحقة السيارة لمعاكسة النساء، وهي العادة التي يهيم بها بعض الشباب هنا في سقوط مريع نحو الهاوية مجرد عبور طيف امرأة، وفي سيارة عامة، يعني بالنسبة إليهم اقتراب الصيد. ولن أزيد قلبي وجعاً فوق ما تضمنه الخبر، إذ بعد ما لاحق الشابان (الزحيمي) وهو يحاول تجنبهما، أوقفوه، وعندما نزل إليهم مارسوا دهسه بسادية تفوق الخيال مراراً وتكراراً، حتى تهشم تماماً، كل هذا أمام زوجته وابنته واخته كما يبدو. وبعدها تركوه جثة ملقاة لا تدع أي انطباع آخر سوى حالة محزنة ومأسوف عليها لحال الضياع العام الذي ينظر من خلاله إلى شيء يسمى امرأة، وان مجرد اتصالها بأي وسيلة تتعاطى بها مع الحياة يمكن ان يعرضها لمثل هذه المواقف التي إن لم تصبها مباشرة فانها تصيب آخرين، وقد تودي بحياتهم كزوج وأب وأخ وغيرهم!
اما إن كان هناك من يقول إنه لا يمكن ان يكون مثل هذين الشابين طبيعين ابدا، فلا أظنهم ايضاً بعيدين عن جرائم شبيهة تكررت في مجتمعنا واختلفت، لكنها توحدت في السبب وهو ملاحقة امرأة او معاكستها واختراق حيائها وغير ذلك ثمة نظرة سائدة تصور لمثل هؤلاء الشباب ومن هم على شاكلتهم ملامح بطولة دفينة غابت من أدراج التربية الصحيحة، من خلال مثل هذه السلوكيات التي يتسلح بها البعض ويرى انها موازية تماماً للرجولة بمعناها القبيح، وبئس رجولة كهذه.
الباقي علينا جميعاً ان نترحم على هذا العم المسكين الكادح والمكافح الذي دفع حياته ثمناً للذود عن عرضه على أيدي من لا يخافون الله، ومن تجردوا من الأخلاق، ويبقى عقاب الله الأشد تنكيلاً. أما عقاب الدنيا فقد تمنيت لو يسحل بهم كما فعلوا بهذا الرجل وفي هذا الشهر الفضيل اما المرأة التي عادة ما تتم اكثر (البلاوي) بسببها في مجتمعنا، فإذا لم نستطع ان نحميها، فعلينا كما يبدو ان نخفيها، أو (نقرطسها)، لتبقى مغلفة حتى حين، تجنباً لمثل هذا الفزع لمجرد اقتحامها الحياة بشكل عام!
|