ليس بالأمر البسيط خلافة القادة التاريخيين والمميزين، فلم يستطع أحد أن يملأ الفراغ الذي تركه ماو تسي تونغ رغم أن شعبه يتجاوز المليار إنسان، ولم يستطع أحد أن يعوض الجنرال ديغول ولا تشي غفارا ولا هوشي منه ولا الملك فيصل ولا عبد الناصر هؤلاء الزعماء التاريخيون تركوا بصمات لا يمكن أن تمحى في تاريخ أممهم والذين خلفوهم لم يكونوا مشابهين لهم، فلكل قائد أسلوب .. إلا أن القادة المفكرين وأصحاب الإبداع القيادي والفكري لا يتكررون، كذلك الرمز الفلسطيني ياسر عرفات فهذا القائد الفلسطيني تتفق معه أو تختلف من فئة القادة التاريخيين المميزين الذين لا يتكررون ولا يمكن استنساخهم، فالرجل يجمع صفات عدة لا تتوفر عادة عند الآخرين، وقد بلورت هذه الصفات شخصيته على مدار سني حياته التي فاقت السبعين عاماً وظهرت بوضوح خلال أعوام النضال والجهاد الفلسطيني التي تجاوزت الأربعين عاماً، منذ انطلاق الثورة الفلسطينية من هنا من ضفاف الخليج العربي عندما التأم فكر وإرادة عصبة من الخيرين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني العاملين في دول الخليج العربي بقيادة المهندس محمد عبد الرؤوف القدوة الذي اتخذ اسم ياسر عرفات - أبو عمار - كاسم تنظيمي، وضمت في ذلك الوقت خليل الوزير (أبو جهاد) وخالد الحسن (أبو سعيد) وفاروق قدومي (أبو اللطف) وأبو إياد أو الهول وسليم الزعنون ( أبو الأديب)، ومجموعة من الشباب انضموا بعد ذلك إلى جهد العصبة الأولى من المجاهدين ومعظمهم من الفلسطينيين العاملين في الخليج مثل رفيق شاكر النتشة (أبو شاكر) وأبو الأديب وأبناء الحسن وأبرزهم هاني الحسن من هؤلاء المجاهدين تكونت حركة تحرير فلسطين والتي رمز لها ب(فتح) بالأسماء الأولى المعكوسة.
وفي بداية الستينات انتقل هؤلاء المجاهدون بنضالهم إلى داخل الأراضي الفلسطينية ليبدأوا مسيرة الكفاح المسلح الذي أطلق الثورة الفلسطينية الحالية التي كرست ياسر عرفات قائداً لمسيرة الثورة، ومنذ الستينات وإلى اليوم خاض عرفات جهاداً عسكرياً وسياسياً أظهر فيه تميزاً، وتنقل بين القتال والتفاوض وفي كليهما واجه صعاباً، وانتصاراً وتراجعاً، ومثل كل الأعمال الاستثنائية حصد أبو عمار الإنجازات والتفوق، كما واجه الفشل وعدم تحقيق الأهداف بسبب ارتكاب ما اعتبره المتابعون لمسيرته الجهادية أخطاء تفاوضية، فرضتها المراحل التي كانت تجري وقتها، المواجهات التفاوضية أو المعارك القتالية وكل هذا شكل تراثاً وتاريخاً جهادياً يميز ياسر عرفات عن غيره من القادة الفلسطينيين أو القادة المعاصرين من العرب وغير العرب، إلا أنه يمكن توصيف الشخصية الفلسطينية التي يأمل الفلسطينيون أن تتسلم الراية الفلسطينية من قائد المجاهدين ياسر عرفات. ويحدد الفلسطينيون ملامح هذه الشخصية ويجمعون على أن تترجم هذه الشخصية ما سرب عن وصية وضعها الرمز الفلسطيني، مطالباً إخوته في الجهاد الفلسطيني بتنفيذها في حالة وفاته وهو أن يعمل من يخلفه على:
1- تكريس وتثبيت العمل على الوحدة الوطنية الفلسطينية.
2- عدم التخلي عن القدس كعاصمة لفلسطين مهما كانت الضغوط والأسباب.
3- الالتزام باستراتيجية مواصلة التفاوض مع عدم التخلي عن الكفاح والنضال والمقاومة الفلسطينية.
هذه الثوابت الثلاثة هي التي تحدد المقياس الذي يتناسب مع هامة الزعامة الفلسطينية التي ستخلف القائد التاريخي ياسر عرفات وهي مقاييس فكرية وتنظيمية أكثر مما هي مقاييس شخصية تعكس أفعالاً لقيادات فلسطينية قامت بها في فترة من الفترات.
|