منذ فجر التاريخ والرجل والمرأة يشكلان نواة المجتمعات بما يقيمانه من علاقات بينهما، فالأسرة ظاهرة عالمية، وُجدت في جميع المجتمعات وفي جميع العصور، مع وجود اختلافات ظاهرية في دور كل من الرجل والمرأة داخلها، ففي بعض الثقافات كانت المرأة هي صاحبة السيادة والكلمة، وكان الأطفال ينسبون لها، وفي ثقافات أخرى كان الرجل هو المسيطر وصاحب الكلمة ويُنسب الأطفال له، وهذا كان الغالب في معظم الثقافات القديمة والحديثة.
وكان للأسرة وظائف كثيرة مادية ومعنوية، منها توفير الغذاء، واللباس والمسكن، والتنشئة، وتقديم الخبرات والحماية.. وفي العصور المتأخر بدأت تلك الوظائف تتناقص وتتلاشى، وفي هذا يقول الدكتور علي عبدالواحد وافي في كتابه (الأسرة والمجتمع): تطورت هذه الوظائف في جملتها من الأوسع الى الواسع، ثم الى الضيق فالأضيق.. فوظائف الأسرة في أقدم عهودها كانت واسعة كل السعة، شاملة لمعظم شؤون الحياة الاجتماعية، ولكن المجتمع العام أخذ ينتقص هذه الوظائف من أطرافها شيئاً فشيئاً، ويستلبها من الأسرة واحدة بعد أخرى، حتى كاد يجردها منها جميعاً، فالأسرة في مبدأ نشأتها كانت تقوم بجميع الوظائف الاجتماعية تقريباً في الحدود التي يسمح بها نطاقها، وبالقدر الذي تقتضيه حاجاتها الاقتصادية، والدينية، والخلقية، والقضائية، والتربوية.. وما الى ذلك.
وكانت المرأة ومازالت من أهم أعمدة الأسرة، بل إنها العمود الذي لا يمكن ان تقوم الأسرة بدونه، وكانت النظرة لها، ولدورها في المجتمع تختلف من مجتمع الى آخر، وفي المجتمع الواحد من وقت الى آخر، وفي معظم المجتمعات كان الرجل هو المتحكم في المرأة والباحث عنها، والساعي اليها، ففي المجتمع البابلي الآشوري قبل حمورابي، كما يذكر صلاح الفوال، في كتابه (سوسيولوجيا الحضارات القديمة)، كان الرجل يحصل على المرأة بواسطة الزواج بالشراء، حيث كانت كل قرية تجمع فتياتها في سن الزواج في مكان خاص، وتحوطهن مجموعة من الشبان الراغبين في الزواج من القرية نفسها أو من القرى المجاورة، ثم ما يلبث أن ينادي مناد عليهن واحدة واحدة، فيما يشبه نظام (المزاد)، عارضاً إياهن لبيع لمن يدفع أكثر، وجرت العادة أن يبدأ أولاً ببيع أكثر الفتيات جمالاً، وإذا ما حصل الدلال على الثمن المطلوب أوصى الشاري بالزواج ممن اشتراها، وهكذا تظل عملية العرض والطلب مستمرة، الأكثر جمالاً، فالجميلة فمتوسطة الجمال، فالأقل جمالاً، وقدرة المشتري المالية هي التي تحدد له مستوى جمال من سيتزوجها.
أما الدميمات والمشوهات وذوات العاهات فكن دوماً من نصيب الشبان من عامة الشعب الذين لم يكن الزواج هدفهم الأوحد، بل الطمع فيما كان يعرضه الدلال من مال مع كل واحدة منهن ليعوض ما لديها من نقص أو تشوه، وكانت تجمع الاموال لهذا الهدف من المجتمع المحلي الذي عرف بالتضامن والتكافل، ويؤخذ من الأموال التي جمعت من بيع الجميلات لتحفيز الشباب على الزواج ممن حرمن من ذلك الجمال، ويجب إتمام عقد الزواج بصفة قانونية، وبوثيقة رسمية وأمام شهود، وإذا امتنع الشاب عن ذلك فإن عليه أن يرد ما حصل عليه من مال. أما في عهد حمورابي فقد اختفى الزواج بالشراء، وحلت محله الهدايا للعروس ولأسرتها، ثم تتم إجراءات الزواج الرسمي بحضور الشهود وبعقد مكتوب.
|