عند استماعي إلى بعض الأسطوانات التي تسجل في بعض الاستديوهات المحلية ينتابني شعور كبير من الدهشة والغرابة لماهية تلك الأعمال.. وكيفية بثها في المجتمع دونما رقابة.. أو رادع.. ملخص القول أن هذه (الغنغنة) المرفوضة كيفاً وكماً.. دأب البعض ممن يتشعلقون بالفن ويقحمون أنفسهم عنوة في سجله.. دونما تأشيرة دخول تبيح لهم حق التمتع في رحابه.. فبقوا مجهولي الهوية في دنيا الفن.. أو بالأحرى في مجال الغناء.
كلمات رخيصة مبتذلة وأسلوب رتيب وأصوات متشنجة نائحة.. كل هذا ونتاجهم تعج به حوانيت بيع الاسطوانات.. رفوف مكدسة من تلك القوالب (الاسطوانات) لرعيل (عاش مطرب.. عاش مروس) (يا روحي يا..) والله يحلل (طشت الجماعة) اللي قال للحلوة.. روحي استحمي.. ففي ذلك عفة جسدية.. والنظافة من الإيمان..!
إذن لا بد من عملية غسيل لما لحق بالفن من أذى المتطفلين.. وازالة ما علق به من أحوال (متعفنة) تتحكم فيها سوق الاسطوانات.. حتى لو تتحول تلك الاستوديوهات إلى زرائب.. وهنا لا بد وأن نشير إلى تلك الكلمات الرخيصة التي تمثل أعمق درجة من الاسفاف الخلقي..! وكيف تهيأ لها أن تخرج على قوالب؟ وكيف تنتقل الى الرفوف لترويجها.. وكيف توزع في أشرطة (الكاسيت) وكيف؟ وكيف؟ وهذا ما يضعني موضع الدهشة والغرابة.. بل يجعلني أقف مشدوهاً بل متسائلاً: من المسؤول؟
أما عن أصواتهم وما أدراك ما..؟ فلست خبيراً في الأصوات ولكنها أصوات لا ترضي ذوقي الفني كمتذوق.. ولا تشدني إليها بخيط من نسيج عنكبوت!
ولكني لا اعترض عليهم.. ولا أطالبهم بأن يكفوا عن الغناء.. متى كان عفيفاً نقياً.. فيه سمو الأغنية يحميها من الابتذال، وكما قال المثل الشعبي (كل ساقط له لاقط) ، وألحانهم بما تمثله من صورة مكررة.. قد تكون صورة بالكربون إلا أنها قد ترضي بعض الأذواق التي لم يتسن لها بعد معرفة الغناء.. (وللناس فيما يعشقون مذاهب) ؟!
بقي سؤال يطرح نفسه: كيف تجاز مثل تلك الكلمات التي تمتلئ بالغزل (الهشمشري) .. والوصف (الخزعبلاوي) لكل ألوان السماحة والاعذار.. ناهيك بما تمتاز به من رداءة في الأداء ولا مقدرة في العزف.. وضيق أفق في اللحن.. وسيان عندي عندما تتوفر الكلمة الطاهرة.. المملوءة بالعفة.. المحتشمة.. تتفق وما تتمتع به هذه البلاد من مثل عالية رفيعة.. دأبنا عليها كمناهج وتوارثناها كتراث.. فلتبق.. وستبقى بإذن الله ما دامت هناك أعين مبصرة وقلوب واعية مفتوحة تدرك خلفيات تلك الشوائب.. وما تحمله من أخطار إن لم ننتبه لها داهمت مقومات فننا.. وقوضت دعائمه..
والسؤال الاخير.. هل تجاز كلمات الأسطوانات من قبل لجنة ما..؟
ومن هي اللجنة..؟ وما هي مؤهلاتها الفنية..؟
عندها قد نضع أيدينا على مكان الداء.. ونستطيع أن نضع مع اللجنة الموقرة إن وجدت علاجاً شافياً لذلك الداء.
علنا نجد جواباً صريحاً نستطيع من خلاله تقييم الاعوجاج الذي يكاد يقود بعض المواهب التي لم يهيأ لها الظهور على الشاشة والاذاعة إلى منحنى خطر.. فقد يجرفها بريق الشهرة دونما تبصر.. وتحسب للنتائج كي لا تنقاد لرغبات استوديوهات التسجيل التي لا يعنيها إلا المادة والكسب فقط غير عابئة بالنتائج..
ولي عودة للموضوع نفسه.. متى تهيأ المناخ الملائم لذلك، والله من وراء القصد.
|