قرأت ما كتبه الكاتب المتألق في صفحة (شواطئ) الأستاذ عبدالله الكثيري في العدد (11719) عن الزحام في العاصمة الرياض الذي أصبح لا يطاق، وما تحدث فيه عن الحلول السريعة والناجحة التي اتخذتها قاهرة المعز من وضع أنفاق وكباري.. بدلا من الإشارات الضوئية حلاً للزحام.. وهو حل رائع جدا آمل ان تفكر فيه الأمانات وحتى المدن.. إنه حل حضاري ممتاز.
.. ومشكلة النقل في المدن المزدحمة بالسكان كمدينة الرياض تبدو لنا أكثر مما نتصور. وها نحن نرى الطرق تغص بالسيارات أي يزيد حجم المرور عن طاقتها الاستيعابية في كثير من الأحيان.. الجهات المسؤولة تبذل ما تستطيع في دراسة حركة المرور ومحاولة إيجاد حلول بتصميم الطرق للحد من هذه المشكلة ولا شك أنها ستعطي حلولاً عملية رائعة كدراسة إيجاد الأنفاق بطريق الأمير عبدالله وغيرها، ولكن يجب دراسة إيجاد حلول في النقل أي مستخدمي الطرق.. وهنا لا بد من تحديد المشكلة لغرض الحل لهذه المشكلة.. قد تبدو والمشكلة أكثر مما نتصور ولكن ذلك لا يمنعنا من ان نطرح تصورنا للمشكلة وبالتالي البحث عن الحلول. في رأيي المتواضع ان مشكلة النقل وازدحام الشوارع تكمن في عدة عوامل اجتماعية واقتصادية متواصلة ومنها:
أ - عدم توفر وسائل نقل جماعي مناسبة وبأسعار رمزية.. وها هو مركز النقل العام بمدينة الرياض لم يوجد حلاًَ للمشكلة.
ب - إن هذه الوسائل تنطلق من غير رغبتنا وتصل إلى مكان لا نقصده أصلا وننزل في مكان لا نقصده.
ح - العوامل الاجتماعية كعدم توفر نقل خاص للعوائل والمعلمات والطالبات حيث أن النقل يجب ان تتوفر به الخاصية الاجتماعية المناسبة للمجتمع.
د - السماح بالمخالفات المرورية الخاطئة كالوقوف المزدوج أو الخاطئ والسرعة.
وبعد ان ناقشنا المشكلة نريد ان نبحث عن الحلول:
أ - لماذا لا يتم توفير وسائل نقل (باصات أو حافلات صغيرة) تجوب الأحياء وتوصل إلى مركز النقل العام. فلنأخذ مثلا الحي رقم (أ) وليكن جزءاً أو مربعاً من حي كبير، سنجد أن في هذا الحي من يريد شمال الرياض ومن يريد جنوبه ومن يريد وسطه.. فتصل هذه الحافلات الصغيرة المخصصة لكل جزء من الحي وتوصل هؤلاء الركاب حتى ولو كانوا راكبين فقط إلى مركز النقل العامر والهدف من ذلك هو سرعة الوصول إلى مركز النقل بحيث يكون هناك رحلات ترددية من مركز النقل العام بحيث يكون هناك باص كل 10 دقائق إلى حي الملز على سبيل المثال.. حيث ان الانتظار هو سبب رئيسي في هجر النقل العام والاعتماد على النقل بسيارات الركوب الصغيرة وبحيث تكون حافلات الأحياء بسعر مجاني أو سعر زهيد جدا كأن يكون نصف ريال للشخص الواحد.. ولا شك ان تخفيض سعر حافلات الأحياء الصغيرة سيكون ذا أثر في الإقبال على مركز النقل العام.. وإذا لم يتم توفير نقل من مركز النقل العام إلى الأحياء والعكس فان الغالبية العظمى سيفضلون الاعتماد على سياراتهم.. فسيقولون ما دام أننا سنذهب إلى مركز النقل العام بسياراتنا فلماذا لا نذهب إلى ما نقصده مباشرة وهم محقون في ذلك.. فقد يكون مقصدهم أقرب من مركز النقل العام.. ولن يلتفتوا إلى المعاناة المعنوية والضغط النفسي بسبب الزحام وخصوصا في فصل الصيف الحار.. ولن يلتفتوا كذلك إلى تكاليف البنزين حيث انه إذا أتينا من باب اقتصادي بان أجرة حافلة النقل العام يجب ان تكون أقل من تكلفة البنزين الذي يستهلك عند استخدام السيارات الخاصة.. فالكثيرين سيقارنون بين تكلفة البنزين وتكلفة النقل العام أيهما أقل فإذا كانت تكلفة البنزين 5 ريالات فان تكلفة النقل العام يجب ان تكون أقل من ذلك كأن تكون 3 ريالات على سبيل المثال.. ولنفترض ان هناك 4 ملايين رحلة يومية بالرياض وكل رحلة تكلف 10 ريالات قيمة البنزين (فقط) فهذا يعني ان هناك 40 مليون ريال تهدر يومياً من اقتصادنا الوطني أو مليار و200 مليون ريال تهدر من اقتصادنا في الرياض فقط بسبب الرحلات اليومية التي يمكن الاستغناء عنها بالنقل العام.
ب - أعتقد ان معظم الرحلات اليومية والتنقلات بالسيارات تتم إما للطلاب أو الموظفين أو للتسوق ولا بد من مناقشة كل صنف من هؤلاء على حدة.. فبالنسبة للمتسوقين .. فلماذا لا تساهم المحلات التجارية في وضع حافلات لها تجوب الشوارع لنقل المتسوقين إلى محلاتهم.. كأن يساهم كل محل تجاري بثلاث حافلات. وأقصد بذلك المحلات الكبرى وبحيث تجوب هذه الحافلات الأحياء لنقل المتسوقين وإعادتهم إلى منازلهم مجاناً.. وبهذا تكون دعاية لهذه المحلات ومساهمة في تخفيف الزحام المروري وخاصة في وسط المدينة مثل البطحاء وغيرها.
ح - بالنسبة للطلاب والموظفين فان النقل العام سيحل مشكلتهم.. كما أرى ان يتم تشجيع النقل بالدراجات النارية أو الهوائية (تبدو فكرة سخيفة)..!! نعم لتكن فكرة سخيفة الآن وستتحول إلى فكرة واقعية بعد التطبيق.. المشكلة ان الكثيرين لدينا يتأففون من ركوب الدراجة ويرونها حطاً من قدرهم.. فترى الشخص منا يذهب إلى المسجد بالسيارة حتى ولو كان على بعد خطوات.. أليس في استخدام الدراجات رياضة نحن في أمس الحاجة لها..! نبحث عن ميادين لممارسة الرياضة فلا نجد.. وها هي تأتي إلينا في الدراجات.. الكثير منا لا يتحرك حتى أصيب بالسمنة والتخمة.. وفي الدراجات فوائد عديدة منظورة وغير منظورة.. فأولها مساهمتها في فك الاختناقات المرورية.. وثانيها في التخفيف من التلوث الهائل الناتج عن عوادم السيارات.. وفي وقف الحوادث المرورية.. وفي هذه الرياضة التي تعطينا أجساماً صحيحة رشيقة وفي وقف نزف الاقتصاد.. قد يبدو استخدام الدراجات فكرة مغرقة في الخيال.. ولكن ما بالكم انه في بعض مدن أوروبا يتم تخصيص يوم لقيادة الدراجات بحيث لا يُرى أي سيارة سائرة في داخل المدينة باستثناء الحالات الخاصة..!! لماذا لا يطبق عندنا يوم واحد للقيادة بالدراجات الهوائية لنتعلم قيادتها بحيث تساهم محلات بيع الدراجات بذلك بحيث تكون دعاية مجانية لها.. ولماذا لا يتم تخصيص مسارات خاصة للدراجات الهوائية أو النارية في الطرق والشوارع كما هو في الدول المتقدمة.. بدلا من ان تسير في طريق السيارات وتدهس يومياً.. لا بد من وضع خطوات تشجيعية لقيادة الدراجات مثل ان تكون جوائز المحلات التجارية عبارة عن دراجات.. أو ان تساهم المصانع التي هي السبب في تلوث المدينة كمصانع الإسمنت بتوزيع الدراجات مجاناً أو بأسعار رمزية على الراغبين في اقتنائها.. ولماذا لا توجه خطابات شكر من المرور لكل من يشاهد يسير على دراجة هوائية أو نارية..
نعم أوافق الرأي ان العوامل الاجتماعية لا تساهم في قيادة الجميع للدراجات ولكن أقصد بذلك المشاوير القصيرة واليومية الفردية.. الكثير يخجل من قيادة الدراجة أمام الناس لأنه سيكون الوحيد.. ولكن إذا علق الجرس وتم تشجيع هذا التوجه فسنرى أن 50% من مشكلة النقل في مدننا قد حلت.. إن التلوث الناتج عن عوادم السيارات مشكلة أكبر من مشكلة الزحام المروري ذاتها وأفظع منها.. فأطنان الرصاص وثاني أكسيد الكربون التي تنفثها هذه العوادم هي مشكلة المشاكل التي يجب التصدي لها.. وقد حان الأوان لإيجاد حلول لها وما استخدام الدراجات إلا أحدها.
د - مركز النقل العام الذي تم إنشاؤه بمدينة الرياض قد لا يعلم الكثيرون فوائده.. وقد يكون هناك أسباب وجيهة لعدم استخدامه من قبل الكثيرين فلماذا لا يتم توزيع استبيان على جميع قائدي السيارات لأخذ رأيهم حوله وبالتالي الوصول إلى حلول عملية تحل مشكلة النقل.. فقد تكون الدراسات الأكاديمية في وادٍ والواقع في وادٍ آخر.
هـ - من العوامل المشجعة على عدم استخدام النقل العام هو السماح بالمخالفات المرورية ومرورها دون عقاب.. فما دام ان سائق السيارة يسمح له بالوقوف المزدوج وفي عرض الشارع أمام المحل الذي يريده حتى ولو عرقل حركة المرور.. حتى ولو وقف في المواقف وأغلقها على من فيها.. حتى ولو احترق كل من في هذه المواقف.. حتى ولو ضجّت سيارات الطوارئ فلن يبتعد ولن يرمش له جفن فانه لن يبتعد ولم يجد أي عقاب.. هذا مما يشجع على القيادة العشوائية والوقوف الخاطئ الذي هو سبب رئيسي في الزحام المروري وعرقلة حركة المرور.
و - لا بد من تأسيس شركات متنافسة للنقل العام داخل المدن وبأسعار رمزية جدا وخصوصاً لنقل الطلبة والطالبات والموظفين داخل المدن.
المهندس عبدالعزيز السحيباني /البدائع
|