تأخذ معركة الفلوجة أبعادا محلية وإقليمية ودولية واسعة النطاق ، وينظر إليها المهاجمون باعتبارها معركة فاصلة في سعيهم للقضاء على المقاومة والمسلحين وتمهيد الطريق أمام الانتخابات .. فإخضاع الفلوجة يعني في نظر القوات العراقية والأمريكية إزالة كم هائل من الأخطار التي مثلها المقاومون ، ومن ثم القضاء على الثقل الرمزي لهذه المدينة المحاصرة والخاضعة للقصف الجوي منذ عدة أشهر .. كما أن الجيش العراقي الحديث التكوين يتقدم إلى المعركة بغرض تسجيل أول إنجازاته الكبرى ، بمعاونة القوات الأمريكية التي اضطلعت بالجانب الأكبر في التمهيد للعمليات من خلال أشهر من القصف المكثف الذي دمر جانباً كبيراً من منازل المدينة ، ودفن العشرات من سكانها تحت الأنقاض .
أما بالنسبة للجانب الآخر المتمثل في المناوئين للحكومة والمقاومين للوجود الأمريكي ، فإن المعركة قد تحدد مستقبل نشاطهم ، كما قد تكشف هذه المعركة مدى صدق التقارير التي تتحدث عن وجود ما يسمى أبو محسن الزرقاوي من عدمه ، غير أن نهاية نشاط هذه الجماعات المسلحة يرتبط بالشكل الذي تتخذه ، وهي غالبا ما تنتقل إلى منطقة أخرى في حال اشتداد القبضة عليها ، وفقا لأسلوب حرب العصابات .. وفي كل الأحوال والتوقعات فإن مئات الآلاف من سكان المدينة الذين اكتووا بنيران القصف طوال الشهور الماضية ، عليهم أن يواجهوا المزيد من الأهوال ، وهم الصائمون والهائمون على وجوههم بين أصقاع مزروعة بالخوف والرعب والألغام ، وكل الأهوال على مشارف مدينتهم وأينما ذهبوا في أرض العراق التي تحولت إلى ساحة كبرى للموت .
وعلى كل فالفلوجة ليست نهاية المطاف ، والأحرى أنها منطلق لحملة لإخضاع كل المدن الرافضة للاحتلال ، فالخطة العامة التي يتحدث عنها المسؤولون الأمريكيون والعراقيون تشير إلى 20 مدينة ينبغي اجتياحها ، قبل أن يتسنى التقدم نحو إجراء الانتخابات .. وفي المقابل فان الجماعات العراقية المسلحة تدعو مقاتليها إلى مهاجمة 20 هدفا بينها وزارات ومنشآت عامة ردا على اجتياح الفلوجة ، وهذا يعني أن معركة الفلوجة قد تقود إلى معارك أخرى متعددة .
ووسط الأجواء العسكرية الحالية من الصعب تبين ثمة ما يفيد بإمكانية التوجه إلى حلحلة الأمور بالتفاوض ، فقد انطلقت الرصاصة بالفعل ومن الصعب إعادتها ، ومع ذلك فإن من المهم العمل على وقف انهمار سيل الرصاصات المتبقية قبل احتراق البلاد من أقصاها إلى أقصاها .. ومن الواضح انه في نهاية الأمر ينبغي على العراقيين الجلوس مع بعضهم البعض لتسوية الأمور ، بعد أن يدركوا أن التوجه الاستئصالي لن يبقي إلا على القليل من شعبهم على قيد الحياة .. لكن من الأفضل إدراك هذه القناعات الآن قبل غد.
|