Wednesday 10th November,200411731العددالاربعاء 27 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "منوعـات"

وتاليتها وتاليتها
د. هند بنت ماجد بن خثيلة

يأتي عيد الفطر المبارك، بعد انقضاء شهر الصيام، هدية من الله سبحانه وتعالى لعباده المسلمين الصائمين، الذين ينتظرونه كل عام بعد طاعة خالصة لله سبحانه، ويلتقي المسلمون في العيد، ويتبادلون التهاني، ويزورون أهلهم وأقرباءهم، متنافسين في ميدان صلة الرحم، كما يزورون أصدقاءهم، ويستقبلون أصحابهم وجيرانهم، ويعطفون على الفقراء منهم.
كأنهم جميعا يقولون بلسان مؤمن واحد: وداعاً رمضان.. وداعاً شهر البركة والخير.. وداعاً ضيف الرحمة والمغفرة.. وداعاً أيها العزيز الذي حلّ فينا مهيباً، ورحل عنّا حبيباً، كأنما جاء وذهب في غمضة عين، فلم يترك لنا مساحة كافية لنعيش فيه، أو يعيش فينا!
ولكن لا بأس إن رحل عنّا، بعدما كان مقدمه فرحاً، ورحيله سروراً، ووضعنا قبيل رحيله على موائد الفرحة بالعيد.. ولكن.. كيف نفرح؟!!
كيف نفرح، وقلوبنا معلّقة بأحبة بعيدين، وعيوننا دامعة لإخوة، مصابين، وأرواحنا معلّقة برجاء أوبة الغائبين؟!
كيف نفرح؟ بل كيف يجد الفرح سبيله إلينا، وفي أعماقنا وداع دائم، ونار لا تنطفئ، وسهد لا ينتهي؟ فهل كانت حال أمتنا هكذا على الدوام؟ أم أن حالنا هذه طارئة علينا، نحن وحدنا من بين أجيال الأمة صنعناها بأيدينا، ووقفنا أمامها نبكي، أو نتباكى على حالنا فيها؟
كيف نفرح، وبيننا من خذلنا وحولنا من يتربّص بنا، وأمامنا ما يخيفنا، وخلفنا من يشفق علينا؟ فهل دموعنا هذه دموع الحزن على وداع رمضان؟ أم هي دموع الفرحة بقدوم العيد؟ أم هي دموع اختزنتها عيوننا لمثل هذه اللحظات؟!
العيد يهيب بنا أن نفرح، وما نحن فيه يشدّنا إلى غير ذلك.. لكننا سنفرح رغماً عمّن زيّن لنا حزننا، ونكاية بالجروح التي تفاجئنا في لحظات الفرح.. سنفرح بالعيد، ونتلاقى جميعنا على مائدة الفرح، حتى ولو حاول البعض إجهاض فرحنا، أو أراد لنا أن ننسى طعم السعادة في عيدنا، هذه الجائزة المعجّلة لنا في الحياة الدنيا.. سنفرح ملء قلوبنا من أجل أطفالنا الذين يسعدون بسعادتنا، ومن أجل أوطاننا التي تورق رمالها على أنغام أوتار قلوبنا المبتهجة، ومن أجل أن نصادر الألم والحزن الذي يريد السفر فينا في كل الاتجاهات!
افرحوا أيها المسلمون الصائمون بعيدكم، ولا يخرجنكم فرحكم هذا عن الهدى المغروس في قلوبكم.. افرحوا فرحة المسلمين، الذين لا يتحررون من وقارهم، ولا ينسلخون عن مآثرهم، حتى لا يكون صيامهم وقيامهم تعب أبدان، وجوعاً في رمضان، افرحوا.. ولا تنسوا أن بينكم إخوانكم الذين من حقهم أن يفرحوا مثلكم، فبادروا إلى إقالة عثراتهم، وارسموا العيد على وجوه أطفالهم، مثلما تشتهونها على وجوه أطفالكم، فعيدكم هذا هو إحدى هدايا دينكم، الدين الذي حرّك مليارات القلوب في هذا العالم المتحجّر القلب!!
ليكن فرحكم بالعيد وعياً بمعانيه، وخيراً أراد الله لكم فيه، وتآزراً بين العبد وأخيه، ومحبة وصلة بين المسلم وذويه، وإقبالاً على الله وتنفيذاً لأوامره، وتجنباً لنواهيه. ليكن فرحكم في العيد رسالة إلى أعدائكم، تقولون لهم فيها: نحن أمة منّ الله عليها بالدين، وهداها الى صراطه المستقيم، وجمّلها بالسلام، فسمّى أبناءها المسلمين.
افرحوا بعيدكم، وليكن مجتمعكم مجتمعاً رحمة وعاطفة، ما فيه مبغضون، وليس فيه متهاجرون، ولا من أهله على زلاتهم وأخطائهم مقيمون.
هكذا سيكون طعم فرحنا في عيد الفطر المبارك: محبة وتلاحم وصفاء، وترك للقطيعة، وهجر للكره والضغينة، وبناء للأخوة والسماحة.
وتلك- والله- خير فرحة، وأعظم سعادة، وأروع مثلاً في الحياة الدنيا، وأغلى ثمناً وأجراً في الحياة الآخرة بإذن الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved