Wednesday 10th November,200411731العددالاربعاء 27 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
القلم
عبد الرحمن صالح العشماوي

{ نون والقلم وما يسطرون } ، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم لما له من أهمية كُبْرى ، وتأثير عظيم - وليس لأحد من المخلوقين كما هو مقرر في الشريعة أن يقسم بشيء من المخلوقات ، وإنما ذلك لله سبحانه وتعالى -.
القلم كائن صغير الحجم خطير المكانة ، بعيد الغُوْر ، عظيم المنزلة ، تجري ريشته الأنيقة الرشيقة ، فتحول الساكن إلى متحرك ، والرَّاكد إلى هائجٍ مائج ، وتسكب السعادة في كؤوس قومٍ ، والشقاء في كؤوس آخرين.
إنها ريشة ، ولكنها كائن ضخم كبير بما لها من الأثر في العالمين.
هذا القلم (أمانة) و(مسؤولية) ، وهو - برغم صغره ونحوله - جسرٌ لصاحبه ، إما إلى النجاة والنعيم ، وإما إلى الهلاك والجحيم ، نعوذ بالله من الهلاك.
القلم ، ما أجمله وأحسن انسيابه ، وما أحسن سطوره وأَلذَّ لُعابَه ، ما ارقَّه إذا حركته الأنامل على الورق ، وما أقساه وأشدَّه إذا أصابه النَّزَفْ ، وما أخطره على صاحبه إذا تجاوز الحدَّ واخترق ، فكم من كاتب به ارتفع وسمق ، وكم آخرَ هبط واحترق.
القلم الذي يقول فيه الشاعر أحمد بن جِرَار :


أَهْيَفُ ممشوق بتحريكه
يَحُلُّ عَقْدَ السِّرِّ إعلانُ
له لسانٌ مُرْهَفٌ حَدُّه
من ريقة الأزهار ريَّان
لو لاه ما قام منار الهدى
ولا سما للملك ديوان

القلم الذي يمكن أن يكون صاحبه المتفنِّن فيه صادقاً حين يقول :
أنا أقفل بلا غَرَر, وأعفو بلا ضَرَر ، أُسعد قلوباً إذا أردتُ الإسعاد ، وأشقيها إذا أردت لها الشقاء ، أجري جَرَياناً سَهْلاً على الأوراق ، ولكنني أهزُّ القلوب وأطأطىء الأعناق.
القلم الرشيق الأنيق الذي قال فيه أبو الفتح البُستي :


إذا أقسم الأبطال يوماً بسيفهم
وعَدُّوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب مجداً ورفعةً
مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم

هذا القلم الذي يتوق كل إنسان إلى أن يكون بارعاً في استخدامه ، قادراً على التفنُّن في الكتابة به ، متصرِّفاً فيه متى شاء بما يمليه القلب ، ويحمله الفكر.
هذا القلم (أمانة) والأمانة عظيمة ، وحملها خطير ، فلا يصح لمسلم يخاف ربَّه ، وينقِّي فكره وقلبه أن يتلاعب به تلاعُبَ الصِّبيان ، ويخُطَّ به كلمات الزور والبهتان ، ويسخِّره للغمز واللَّمز والاستهزاء ، ويجرَّه إلى مهاوي الرَّدى بالإساءة إلى الرسل والأنبياء ، والصالحين والأتقياء.
إنَّ كلَّ كلمة يكتبها صاحب القلم لا تعدو أن تكون زَهْرةً ، يسعد بشذاها يوم يقابل ربَّه ، أو جمرة يشقى بلهبها الحارق يوم لا ينفع مال ولا بنون.
القلم أمانة .. فليتَّق الله حاملُه.
إشارة
يقول محمود بن أحمد الأصبهاني عن القلم :


أخرس يُنبيكَ بإطراقه
عن كلِّ ما شئت من الأمرِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved