نتابع هذا الأسبوع الوقفات التي استلزمتها عملية الاكتتاب في شركة اتحاد الاتصالات وهي كثيرة ومتعددة الجوانب، ولعل الحافز لهذا هو الاستفادة من هذا الدرس في مقبل الأيام خاصة وانه سيكون لهذه التجربة أخوات.
استمرت عملية الاكتتاب تسعة أيام عمل، وكان هناك مجموعة من السلوكيات التي صدرت من بعض موظفي البنوك والمكتتبين والتي وضعتها بعض الصحف تحت خانة مواقف طريفة ربما تأثراً بالمسلسلات والبرامج الرمضانية، ولعل هذا من حالة التسطيح العامة للأمور لدى كثيرين مثل اقتحام مقر أحد البنوك بسيارة، أو استخدام معلومات العملاء الشخصية من قبل آخرين للاكتتاب بأسمائهم.
والمتابع العادي يلحظ ان أعمال البنوك الاعتيادية التي هي صلب عملها وأساس نشاطها قد شلت بشكل واضح خلال أسبوع ونصف، هذا فيما يتعلق بجمهور المتعاملين معها. وأصبح كل من لديه عمل يستوجب الذهاب إلى البنك يؤجله إلى ما بعد الاكتتاب. وفي هذا بلا شك تضييع لمصالح الناس ولأوقاتهم، وهم الخاسرون في هذه العملية لأن البنك مستفيد وكذا الشركة.
وأمر آخر يمكن إلحاقه بما سبق، ويمكن اعتباره مما يسميه الاقتصاديون بالآثار الخارجية السالبة، ويتعلق بتضرر أصحاب المحلات والمساكن المجاورين لفروع البنوك والذين عانوا بشكل كبير من ازدحام المكتتبين وتكدسهم أمام أبوابها منذ الصباح الباكر حتى قبيل صلاة العصر ومن بعد صلاة المغرب حتى الثانية صباحاً وشغلت سياراتهم جميع المواقف المتاحة وحتى الأرصفة.
وقد قمت بعمل استفتاء بسيط لعدد من المحلات المجاورة لفروع البنوك التي تعمل في أنشطة مختلفة، وكانت الإجابات شبه متطابقة أن عملهم تضرر بشكل كبير خلال أيام الاكتتاب، فالزبائن ليس لديهم الاستعداد للذهاب إلى محلات لا مواقف قريبة منها، وبالتالي ركود في وقت كانوا يعولون عليه كثيرا. والسؤال: هل ستعوض المنشآت المستفيدة والتي نجم عن استفادتها هذه إلحاق الضرر الفادح بالمنشآت الصغيرة المتضررة والتي لا تتجاوز رؤوس أموالها عشرات الآلاف من الريالات؟ سؤال يطرح نفسه ويحتاج إلى إجابة.
والأمثلة على الآثار الخارجية بشقيها الإيجابي والسلبي متعددة، ولكننا نظل بحاجة إلى وضع أطر نظامية تكفل عدم ضياع حقوق فئة بسبب ممارسات فئة أخرى ورعاية مصالح المجتمع.
ومن الجوانب التي تدعو للتوقف والتأمل هو ان من أهداف الاكتتاب توزيع ملكية الأسهم على أكبر عدد ممكن من المكتتبين، وفي هذا تحقيق لهدف نبيل هو المساهمة في تحقيق توزيع للدخل والثروة أكثر عدالة وذلك عندما تتوزع ملكية الأسهم على شريحة كبيرة من السكان. لكن تحقيق هذا الهدف يتعارض مع سياسة الشركة في احتفاظ المؤسسين لأنفسهم بـ(80%) من الأسهم وطرح (20%) فقط للاكتتاب العام، والحصيلة النهائية خمسة أسهم لكل مكتتب أو أقل.
وعليه فهل تحقيق توزيع أكثر عدالة للدخل والثروة بين المتقاربين فيهما هدف فعلا؟ أم أن الهدف الأكثر نبلاً سيكون طرح نسبة أكبر من الأسهم للاكتتاب العام؟ ولو نظرنا إلى الصورة كاملة لوجدنا ان هذه السياسة في الاكتتاب لا تحقق الهدف المعلن بل تعمل ضده، ذلك ان كبار ملاك الأسهم يمتلكون ملايين الأسهم وعددهم محدود جداً ويتوقع ان يتضاعف سعر السهم بمجرد طرحه في السوق للتداول بعدة مرات، ربما ثلاث مرات في أكثر الآراء تحفظاً - يباع الآن بصورة غير نظامية بمائة ريال - فهؤلاء ستتضاعف مدخراتهم الضخمة التي استثمروها في أسهم الشركة بنفس مقدار التضاعف في سعر السهم، فلو استثمر شخص ما مائة مليون فان ثروته هذه ربما تصبح أربعمائة مليون ريال في غضون أيام قليلة، في حين ان ثروة المكتتب العادي والذي نطمح ان نزيد من دخله وثروته ستزداد من مائتين وخمسين ريالاً - قيمة خمسة أسهم والتي سيحصل عليها كل مكتتب في أفضل الأحوال - إلى ألف ريال، على الرغم من قدرته واستعداده لشراء عدد أكبر من الأسهم لكن نظراً للسياسة المتبعة في الاكتتاب فهو لا يستطيع ذلك.
والسؤال لنا هل هذا الأسلوب يعمل على تخفيف الفوارق في الدخل بين الطبقات أم يزيدها؟ وهل يحقق العدالة أم يصادمها؟
|