Wednesday 10th November,200411731العددالاربعاء 27 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

الكل في مأزق الكل في مأزق
د. خالد بن حمود السعدون(*)

تكفي نظرة عجلى على المشهد العراقي لإظهار عمق المأزق الذي يأخذ بخناق كل أطراف المشكلة، ويأتي في مقدمة تلك الأطراف المحتلون الأمريكيون، فقد زحفوا بحشود مدججة بأحدث ما اخترعته التكنولوجيا، وتكتنفها (زفة) إعلامية هائلة تسوق للمحرومين أحلام الديمقراطية والرفاهية ولكن ثمانية عشر شهرا من العناء والدماء بددت تلك الأحلام، ومرغت أنف الأسلحة الفائقة التطور بالتراب، وهنا أفاقت الدولة العظمى على مأزقها، حيث لا تسمح لها هيبتها بالنكوص على عقبيها في حين لم يعد بمستطاعها مواصلة السير قدما بمشروعها الطموح، فكل خطوة جديدة في هذا الاتجاه تعني مزيداً من الغوص في مستنقع لم تعد تعرف له قراراً.
ويحتوي المأزق أيضاً على القوى السياسية العراقية التي كيفت نفسها مع حقيقة الاحتلال الأمريكي، فمدت أيديها له متعاونة عبر تجربة مجلس الحكم المنحل ثم الحكومة الانتقالية الحالية، وغدت بذلك مرتهنة لهذا الوجود الأجنبي لا تستطيع الاستغناء عنه، ولكنها تدرك في قرارة أنفسها أن هذا الوجود لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية مما يستوجب منها محاولة تأمين مستقبلها عن طريق استبقاء شيء من ثقة الشعب بها لعل ذلك ينفعها حين يكون الاحتكام فعليا لإدارة الشعب بعد حين ولذلك تراها تراوح في مواقفها بين إقدام وإحجام.
ويحيط المأزق بفصائل المقاومة المسلحة، ففضلا عن غياب المشروع الوطني الموحد الذي يضبط مسيرتها وينسق تحركاتها باتجاه هدف واضح تضعها الأطروحات المذهبية الضيقة التي يتمسك بها بعضها في حالة تناقض مع قطاعات واسعة من مواطنيها.
كما أن بعض التصرفات الرعناء المنسوبة اليها تشوه أية غاية نبيلة، وتؤلب ضدها الرأي العام داخل العراق وخارجه.
وتعاني من المأزق كذلك القوى السياسية المتمسكة بأسلوب المعارضة السلمية فهي متشرذمة الى شظايا مجهرية لدرجة أفقدتها أية قدرة فعلية على التأثير في مسيرة الأحداث، وغدت بذلك مجرد ديكور يزين خلفية المشهد ولا ترى فيه الجماهير المتفرجة إلا لافتات لا تعرف لها محتوى أو تتوقع منها فائدة.
ولم تنج المرجعيات الدينية المختلفة من ذلك المأزق، فقد اختلطت لديها مقتضيات المصالح الآنية الخاصة بها أو بأتباعها مع الثوابت الشرعية، وغدت لذلك مواقفها لا هي سياسية خالصة ولا فقهية نقية، وأصبحت في وضع لا تحسد عليه حيث لا تستطيع الإيغال في وحول السياسة ولا الوقوف جانبا، وهي في الحالين كلتيهما تدفع من رصيدها المستقبلي.
ويبدو المواطن العراقي العادي قبل أولئك جميعا في قعر ذلك المأزق يستزف أيام عمره في ضنك شديد مشتتا بين أمن مفقود ورزق محدود وخدمات متهالكة، وهو يراقب خلال ذلك كله بسخرية سوداء ممثلين يصطرعون على المسرح باسمه ويمطرونه في كل لحظة بشتى اصناف قنابلهم المادية والمعنوية.
فإذا كان الحال كذلك، وهو كذلك بالفعل، فما السبيل للإفلات من وثاق ذلك المأزق؟

(*) سياسي عراقي مستقل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved