مثّل مرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات محور الاهتمام في كامل الشأن الفلسطيني، وشملت المتابعة اللصيقة للتدابير المتواصلة من قبل القيادة في رام الله في سعيها لترتيب البيت من الداخل درءاً لمفاجآت صاعقة قد تلحق الأذى بالوضع الفلسطيني المحدقة به أخطار إسرائيل، فضلاً عن مهددات الوحدة، ولهذا فقد انصب جلّ العمل من قبل القيادات الرسمية والوطنية على أولوية الحفاظ على هذه الوحدة، ويبدو أن طريقة العمل قد أشاعت قدراً من الارتياح إلى الدرجة التي أشاد بها الكثيرون ومنهم أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان الذي قال إن الفلسطينين يعالجون مسألة غياب عرفات بقدر كبير من الحنكة.
ولكن التطورات الأخيرة أظهرت المدى البعيد من الاضطراب الذي يمكن أن يحيل كامل تلك الصورة الإيجابية إلى مسخ مشوّه لشعب ديدنه الصمود واستطاع تجاوز الأهوال من أجل الحفاظ على وحدته أمام أفظع المهددات.. ومن المؤكد أن شعباً يتوفر على إمكانيات واسعة في التعاطي مع المصاعب لقادر على تدبير أمره مهما عظمت المصائب.
ولهذا فإن اللغط الذي صاحب البيان الذي ألقته زوجة الرئيس الفلسطيني وما أعقبه من ردود فعل غاضبة، مثّل بادرة غير مطلوبة في ظل هذه الظروف الدقيقة التي أشرنا إلى صوابية المعالجات لها على الصعيد الإداري السياسي في رام الله، وعلى الرغم من التوقعات المتشائمة التي كانت تشير إلى أن مرض عرفات قد يفضى إلى انفراط في الصف الفلسطيني وربما فوضى عارمة، إلا أن وقائع الأحوال على الأرض كانت تعكس قدراً كبيراً من الانضباط وعلى التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية.
وقد ظهر ذلك بشكل واضح في اللقاءات التي أجرتها القيادات التنفيذية والتشريعية والسياسية مع الفصائل في قطاع غزة، وهي لقاءات شهدت طروحات مسؤولة في كيفية التعامل مع المرحلة الراهنة.
وبذات القدر من المسؤولية فإنه يتوقع أن تسارع القيادات الفلسطينية إلى معالجة هذه التطورات الجديدة غير المرغوبة وغير المواتية، قبل أن اتساع نطاق المشاكل القائمة والتي فاجأت الجميع بحدّتها والطريقة المباشرة التي تمت بها.
إن حساسية الوضع الفلسطيني لا تحتمل مثل هذه المشاكل، فقد تضامنت الأمة العربية والإسلامية وقطاعات واسعة من الرأي العام الدولي مع الفلسطينين في محنتهم المتمثلة في مرض الرئيس عرفات، وكان هناك حرص مضاعف على أن تنجح القيادات الفلسطينية في إدارة الشأن الداخلي بما يبعد شبح التطورات السلبية، غير أن الانفلات الذي حدث أطلق المخاوف الكامنة في الصدور.
والآن فإن عملاً سريعاً وحازماً مطلوباً من قبل هذه القيادات حتى لا يواجه الفلسطينيون محنتين... مرض عرفات وانفراط عقد القيادة.
|