Tuesday 9th November,200411730العددالثلاثاء 26 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

تونس تحتفل بالذكرى السابعة عشرة للتحول تونس تحتفل بالذكرى السابعة عشرة للتحول
أصالة الهوية وإحاطة دولة التونسيين جميعاً بقيم حقوق الإنسان والحريات عنوان الاحتفالات

  * تونس - مراسل الجزيرة:
احتفلت تونس بالذكرى السابعة عشرة لتحول السابع من نوفمبر، وقد تزامن هذا الاحتفال مع تواصل الابتهاج التونسي بفوز الرئيس زين العابدين بن علي برئاسة الجمهورية التونسية بعد سلسلة من الإنجازات التي شملت مختلف مناحي الحياة وتحديث المفاصل الاقتصادية والسياسية والتنموية.
أصالة وتفتح
وتميز عهد ابن علي بأصالة الهويّة التي تعتبر اليوم ركنا من أركان السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، أحاطتها (دولة التونسيين جميعا) ودولة القانون والمؤسسات بجملة من القيم الأخرى مثل قيم حقوق الإنسان، وجملة النصوص الضامنة للحقوق والحريات الأساسية والحريات المكفولة بمقتضى الاتفاقيات الدولية، والاتفاقيات المبرمة في إطار منظمة الأمم المتحدة أو وكالاتها المتخصصة والاتفاقيات الخاصة وفي صدارتها منع جميع أشكال التمييز العنصري...
وبعد ما اعتبر عهد السابع من نوفمبر أن الديمقراطية والحرية كل لا يتجزأ، ألغى كل ما يتعارض أو يسيء للهويّة من القوانين أو التشريعات، كما أمسك عن التوقيع على بعض فصول الصكوك الدولية التي لا تلتقي مع الهويّة التونسية ومع الدين الإسلامي أساسا.
وفي واد آخر ظهرت مجموعة متطرفة أرادت افتكاك السلطة فالتحفت بشعارات الهوية والدين الحنيف ومارست العنف واستغلت ظروفا وتيارات عالمية زعزعتها التحولات فانحرفت إلى مسالك التعصب واستخدمت الهوية واجهة لإخفاء أنشطة سياسية وحزبية، ولهذا نبه عهد السابع من نوفمبر إلى (أن السياسة متغيرة وجوهر الدين ثابت).
وكان أول ما بادر به هو تثبيت الهوية ومصالحة التونسي مع هويته، وهذا كرّس الحق في الهوية فضلا عن تكريس الحرية وإعطاء الضمانات الدنيا في إقامة العدل ودعم مؤسسات النظام الجمهوري، وإعلاء صوت القانون وتكريس التعددية السياسية وإقامة صرح المجتمع الذي يسوده التضامن والوفاق.
لا للانغلاق ولا للانبتات
إن الأهداف الأولى للمشروع الحضاري الذي جاء به عهد السابع من نوفمبر، تحقيق الارتقاء بتونس إلى مرتبة الدول المتقدمة وهي متجذرة في هويتها، متأصلة في مقوماتها الروحية فيكون إسهامها في التحولات التي تعرفها الإنسانية إسهاما فاعلا لا استهلاكا بروح ثابتة الإيمان، وعقل متفتح على الآخر وعزم على العمل والإبداع والابتكار.
في عهد الرئيس بن علي
أرض الزيتونة تستعيد دورها الديني والحضاري
لم تكن ريادة تونس عبر مختلف الأحقاب التاريخية مجرد صدفة أو لحظات عابرة بل كانت تلك الريادة تجسيدا لعبقرية شعب آمن بالاجتهاد والمثابرة في التفاعل الواعي مع التاريخ، ولقد جسد التغيير أرفع درجات ريادة تونس حيث استبق التحولات العالمية وانهيار إيديولوجيات ومذاهب عقائدية وبروز نعرات طائفية وثورات أقليات في مختلف القارات فكان تغيير 7 نوفمبر 1987 بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي لحظة تاريخية - حضارية استشرفت الأحداث بحكمة رجل الدولة الذي خبر السياسة، وحنكة رجل المجتمع الذي عايش مشاغل شعبه، وعبر عن تطلعاتهم، وأجاب بإيمان واقتناع عن تساؤلاتهم فبدد الخوف أمنا والحيرة سكينة وأملا.
ولئن كان التاريخ شاهدا على أن عهد السابع من نوفمبر سبق هذه التحولات العالمية، فإن جملة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كثير من المجتمعات والدول تؤكد على أن موجة ما يعرف الآن بالعولمة اخترقت المجتمعات والثقافات ووضعت الناس وجها لوجه أمام عالم جديد متسارع التغير، وغير ثابت بما أفرز توترا في المجتمعات مشوبا بالحيرة وبالبحث عن سند أو مرجع أو حتى هامش ارتكاز.
وهكذا برزت خلال سنوات التغيير عودة قوية إلى مسالك البحث عن الخصوصية، ونزعة جارفة إلى مقومات الهوية إزاء مختلف التيارات الأخرى فصمدت مجتمعات وانهارات أخرى وبين هذه وتلك تقوقعت شعوب ودول وانكفأت على نفسها تنتظر الخلاص وهدوء عاصفة التحولات إلا أنه لا أحد يدري كم ستظل عجلة التحولات تدور بأية سرعة!
إن الهوية في تونس التغيير وفي كل بلاد العالم باتت أمام واقع جديد طرحته طفرة الإنتاج المعرفي والتكنولوجي الذي يعتبر حقا من حقوق الإنسانية جمعاء ولا سيما بعد ما نص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين على هذا الحق.
مقاربة تنهل من الخصوصية
في غمرة هذه التحولات انخرطت تونس بقيادة ابن علي وبحس اشترافي عميق في مشروع مجتمعي حديث عمق مقومات الاجتماع السياسي، وعزز الهوية بطريقة تونسية متميزة، وبمقاربة تنهل من خصوصية وعراقة وحضارة الشعب ما يعزز دورها وإشعاعها.
منذ البداية توجهت القيادة التونسية إلى المجتمع بخطاب ديني جديد اقتنع من خلاله بأن العولمة ليست بالضرورة تتهدد الهويات، ولا سيما الهوية التونسية المرتكزة على جوهر الإسلام الخالص وعلى إرث تاريخي عريق.
كما تركز الخطاب الديني على أن الشعب التونسي أثبت على مر القرون تعلقه بدينه واستماتته في الدفاع عنه.
وأيقظ الخطاب الديني في العقول خصال تونس التي كانت وظلت موقعا متقدما لنشر الإسلام ودرء المخاطر عنه.
فشعب تونس تضافرت في تشييد بنائه الاجتماعي وشده إلى الأمة الإسلامية مقومات نبيلة وحدت بين صفوفه، ونفت عنه موجات الفرقة والتمزق وأهلته لأن يكون قطبا من أقطاب الإشعاع، فقام على صغر المساحة الجغرافية وتواضع العدد بأعباء الفكر والنضال في سبيل الإسلام وإشاعة دعوة الحق.
عمق الهوية
إن المواطن التونسي اليوم الذي نشأ على قيم الفضيلة والخير والتآخي والتضامن والتسامح والاعتدال يدرك أنه من عاصمة الإسلام الأولى - القيروان - سطع منار العلم الديني والدنيوي وتأسست مدارس الفقه والثقافة وامتد نفعها إلى سائر بلاد المغرب والأندلس غربا، وإلى ما وراء الصحراء جنوبا وإلى صقلية وجنوب إيطاليا شمالا.
لقد حبا الله تونس منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا بأن انضم جامع الزيتونة إلى جامع عقبة ابن نافع فتعززت بذلك المسيرة العلمية، وجدد علم المدينة وفقه الحجاز في إفريقيا أرضه الخصبة، فاستقر بها مذهب أهل السنة والجماعة باعتداله وثرائه على يد نخبة من العلماء من أمثال علي بن زياد والإمام سحنون.
من هذا التاريخ المجيد تنهل الهوية، وينهل الخطاب الديني وينفض الغبار عن الماضي بلغة واضحة صادقة مركزة على إشعاع تونس، جاء بفضل اجتهاد العلماء والفقهاء وأفكار المصلحين الذين أناروا بفكرهم المغرب والمشرق انطلاقا من جامع الزيتونة.
البناء الصحيح
ووفاء لتونس الزيتونة اتجه عهد التحول يرمم ما تصدع من الهوية ويثبتها على أسسها الصحيحة بالعمل على عدة جبهات.
لقد آمن ابن علي بأن البناء الديمقراطي الوفاقي يعتبر أرضية صلبة من شأنها أن تدعم الهوية اقتناعا بأن حرية الفرد ومشاركته في الحياة العامة هي في نهاية الأمر تعبير عن كيانه.. أي عن هويته.
ولما وقعت كل مكونات المجتمع المدني على الميثاق الوطني بدفع من القيادة السياسية يوم 7 نوفمبر 1988 - سنة واحدة بعد التغيير - كانت مسألة الهوية حاضرة في أذهان الجميع، ذلك أن الميثاق الوطني الموقع من قبل الأطراف السياسية والاجتماعية تصدرته الهوية التي جاءت متقدمة في الميثاق على مشاغل النظام السياسي والتنمية والعلاقات الخارجية على كل المشاغل الأخرى الملحة.
كما أن جملة الحيثيات والديباجة التي بررت توقيع الميثاق الوطني لم تخل من الإشارة الصريحة إلى الهوية التي ترعاها (دولة التونسيين جميعا).
واستلهاما من الخطاب الجديد لدولة التغيير كان أول ما نص عليه الموقعون على ذلك الميثاق الوطني هو هذه الجملة البليغة الدلالات:( إن هوية شعبنا عربية إسلامية متميزة، تمتد جذورها من ماض بعيد حافل بالأمجاد وتتطلع إلى أن تكون قادرة على مجابهة تحديات العصر).
هذه العبارة قيلت قبل سقوط جدار برلين بما أكد بكل القرائن أن عهد السابع من نوفمبر امتاز بحس استشرافي جابه به تحديات العصر، ونال به سبق التحولات.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved