Tuesday 9th November,200411730العددالثلاثاء 26 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

في موكب الحياة في موكب الحياة
البدوي والمثقف
أ.د.عبد الرزاق بن حمود الزهراني

ابتليت المجتمعات العربية خلال قرن ونصف من الزمن ببعض المثقفين الذين انبهروا بالحضارة الغربية، وأفقدهم ذلك الانبهار القدرة على وضوح الرؤية، وعلى التحليل السليم، وعلى إدراك الواقع كما هو، وربط الأسباب بالمسببات، ولعل من البدهيات أن الأفراد يختلفون في استعداداتهم وقدراتهم، والشيء نفسه ينطبق على المجتمعات، ولكن الاختلاف بين المجتمعات يكون غالبا بدرجة أعمق وأشمل، ولهذا ما يصلح لفرد أو جماعة قد لا يصلح لفرد وجماعة أخرى لاختلاف الظروف، أو لاختلاف الاستعدادات، وفي وضع المجتمعات تختلف الثقافات، والمرجعيات، وربما انخدع البعض بالمظاهر وحكموا على الجواهر، ولهذا وجدنا بلدا مثل تركيا يفرض على شعبه شيئا من المظاهر الأوروبية ظنا أنه بذلك سيصل إلى ما وصل إليه الأوروبيون من تقدم صناعي، وإنتاجي، والحقيقة ان من يريد ان ينهض بمجتمعه يجب عليه ألا يتمسك بالقشور، وان يهتم بالجوهر، مثل التعليم، والتدريب، وزرع القيم التي ترتبط بالانتاج من عز وصبر وإصرار ومواصلة للجهد، أما الظاهر فإنه يمثل القشور التي لا تقدم ولا تؤخر كثيراً، فلا أدري ما هو الشيء الحضاري في تكشف المرأة وابتذالها، ولا أدري ما هو الشيء المتخلف في محافظة المرأة على ستر نفسها، ولا أدري ما هو الشيء الحضاري في لبس البدلة، وغير الحضاري في لبس الجلباب، كلها ملابس تستر الجسم، ولكن المثقف المنهزم من داخله يريد أن يقنعنا بأن كل ما يأتي من هناك فهو حسن وكل ما يأتي من هنا فهو قبيح، هذه الانهزامية وهذا التحقير للذات لا يفيد المجتمعات في شيء، ولعل البدوي الذي يقف بشموخ واعتزاز بدينه وثقافته ومجتمعه، أكثر فائدة لأمته من المثقف الذي يدعو للتبعية ويحاول ترسيخها، تصوروا معي مجموعة من الاطفال تستمع لشاعر بدوي يشيد بشجاعة وكرم واباء قومه، ويدعو إلى القيم الرفيعة التي جاء بها ديننا من إكرام الضيف، وإعطاء الجار حقوقه والبعد عن النميمة والكبر والغطرسة، ويدعو إلى الوفاء، والصبر وحفظ الأمانة وغيرها من القيم الرفيعة، إنه سوف يزرع في نفوس أولئك الصغار شعوراً بالعزة وبالانفة وبأنهم ينتمون إلى أمة لديها ما تعتز به، وتصورواً معي مثقفاً يتحدث أمام أولئك الصغار، ويقول: لا خلاص لنا إلا باتباع الآخر في الخير والشر وفي الحلو والمر، وأخذ جميع ما لديه من قيم وأنظمة وقوانين وعادات، إن شعور أولئك الصغار سيكون شعوراً بالاحباط، شعوراً بالدونية، شعوراً بالتبعية، إن الاستفادة من الحضارات الأخرى أمر مشاع ومطلوب، وهو سنة الحياة من آدم إلى يومنا هذا، كل حضارة تأخذ من الحضارات الأخرى، ولهذا نجد في المحصلة النهائية ان جميع الحضارات أسهمت في تقدم البشرية، وأن العلم عمل تراكمي، يضيف اللاحق إلى السابق، ولهذا أدعو مثقفينا ومعلمي المدارس ان يزرعوا في طلابهم القيم الرفيعة التي جاء بها الاسلام وفي مقدمتها الشعور بالعزة والانفة ،والجد والصبر والتنظيم وأننا لسنا أقل من الآخرين إن عملنا بجد وتنظيم وتكامل وكان تقييمنا للأفراد يقوم على الانجاز واستغلال الوقت، وما يمكن ان يقدمه لمجتمعه، ولا يقوم على انتمائه للعائلة أو القبيلة أو الاقليم، وهي أمور حاربها الاسلام ودعا إلى نبذها والابتعاد عنها.

فاكس: 012283689


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved