Monday 8th November,200411729العددالأثنين 25 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الطبية"

آفاق جديدة لعلاج جذري للناسور الشرجي..د. أوس شاكر سليم: آفاق جديدة لعلاج جذري للناسور الشرجي..د. أوس شاكر سليم:
دقة التشخيص وتحديد نوع ومسار الناسور شرطان لنجاح وسائل المعالجة

* د. أوس سليم :
يمثل الناسور الشرجي إحدى المعضلات الجراحية التي لا يستهان بآثارها وخصوصاً تلكم الناتجة عن التشخيص الخاطئ أو العلاج القاصر، لذا دأبت المحافل الطبية على تقديم دراسات وأبحاث علمية مستفيضة لتحديد أبعاد الناسور الشرجي والإتيان بأفضل الوسائل العلاجية له ليس فقط لما للناسور من آثار نفسية وجسدية تنعكس سلباً على الفرد وقدرته على الإتيان بمتطلباته الشخصية والعائلية والاجتماعية، بل نظراً لخطورة عدم التقييم الدقيق لنوعية وأبعاد الناسور والتي قد تفرض طرقاً علاجية خاطئة أو قاصرة تجر إلى مشاكل جمة، لكن ما هو الناسور الشرجي وأفضل طرق علاجه؟
د. أوس شاكر سليم استشاري الجراحة العامة وجراحة الجهاز الهضمي يجيب على هذه التساؤلات فيقول: يعرف الناسور الشرجي بأنه قناة امتداد ووصل بين الغشاء المخاطي لقناة الشرج أو المستقيم والجلد الخارجي المحيط بفتحة الشرج ويقوم بإخراج إفرازات بأحجام متفاوتة وقابل للالتهاب وتكوين خراجات قيحية والناسور لا يلتئم ذاتياً على الإطلاق ولعل استمرار الجدال حول علاقته بحدوث سرطان موضعي سبب في تقييمه أمراً يحتاج إلى حل جذري.
*****
يصنف الناسور الشرجي إلى نوعين مستقلين لا علاقة لأي منهما بالآخر من ناحية المسببات وطرق العلاج، وهما: النوع الناتج عن التهاب في إحدى غدد قناة الشرج يؤدي بدوره إلى فتح طريق بين هذه النقطة والغشاء المخاطي لقناة الشرج امتداداً إلى الجلد الخارجي المحيط بها ويشمل هذا النوع الناسور السطحي والمخترق للمعصرة الشرجية والمار خلال المعصرة الشرجية والعابر فوق هذه المعصرة، وهناك النوع الناتج عن أمراض المستقيم والذي يفتح طريقاً خارج كتلة المعصرة الشرجية وصولاً إلى الجلد المحيط بفتحة الشرج.
ويضيف د. أوس شاكر: وفي الوقت الذي غالباً ما تكون فيه أعراض الناسور إفرازاً مستمراً من ندبة على الجلد المحيط بفتحة الشرج فإن ظهوره بادئ ذي بدئ كخراج شرجي أمر لا بد من ملاحظته، حيث يشاهد المريض بحالة خراج شرجي يتم فتحه ويلاحظ عدم التئامه بعدئذ تعبيراً عن وجود ناسور شرجي كمسبب له، ولكن هذا لا ينطبق على الخراج الشرجي الذي ينشأ بدون أية علاقة بالناسور والذي إن أُسيء علاجه مثل الانغماس في تنظيفه تحت التخدير أو اعتماد مبدأ وضع حشوة داخله بعد تنظيفه فسيكون حتماً سبباً في استحداث ناسور شرجي، لذلك لا بد من الحذر كل الحذر عند التعامل مع الخراج الشرجي فإمكانية استحداث ناسور بدون سبب أمر قائم، وعلى الجانب الآخر من هذا فإن الناسور الممتد من المستقيم خارج الكتلة العضلية للمعصرة الشرجية إلى الجلد المحيط بفتحة الشرج يجب أن يعتبر علامة على وجود مرض محدد بالمستقيم حتى يثبت العكس.
ويستخلص من هذا أن هناك ناسوراً سطحياً لا علاقه له بالمعصرة الشرجية وآخر متعلق بها مباشرة وثالث يمر من المستقيم إلى الجلد الخارجي بعيداً عن المعصرة الشرجية، ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لدقة تشخيص نوع الناسور قبل التفكير بأي تدخل جراحي ضماناً لنجاح هذا التداخل.
وحول أعراض الناسور الشرجي يقول د. سليم: يمكن أخذ فكرة أولية عن الناسور أثناء الفحص السريري لمريض يشكو من إفرازات حول الشرج، حيث يلاحظ وجود ندبة ناضحة موقعها يساعد على معرفة نقطة اتصالها بقناة الشرج، فإن كان طريق مسارها متجهاً نحو هذه القناة، فتلكم الكائنة في النصف الأمامي لفتحة الشرج تفتح بخط مباشر إلى قناة الشرج، بينما تلكم الكائنة ندبتها الخارجية في النصف الخلفي من فتحة الشرج فإن فتحتها الشرجية تكون في المؤخرة وعند الساعة السادسة حينما يقارن محيط قناة الشرج بوجه الساعة.
وعلى الرغم من وجود وسائل تشخيصية عدة لتحديد مسار الناسور يبقى الفحص بالأشعة فوق الصوتية من داخل الشرج والمستقيم أكثرها دقة ليس فقط للتعرُّف على هوية الناسور وامتداده وإنما لتشخيص حالة المعصرة الشرجية.
ولعله من المفيد أيضاً وعند التدخل الجراحي لعلاج الناسور وبعد تخدير المريض أن يجرى فحص كامل لمنطقة الشرج والمستقيم بالمنظار ومساعدة صبغات معينة أو سوائل تنتج فقاعات ليس فقط لاستكمال الفحص واستثناء وجود عوامل موضعية مضافة وإنما أكثر من هذا التأكد من موقع فتحة الناسور الداخلية وكونها فعلاً أحادية أو كما يحصل نادراً أكثر من ذلك.
وعند هذه النقطة تكون هوية الناسور قد حددت ورسم خط علاجي واضح له، وحينما يتعلق الأمر باستئصال الناسور السطحي فالتداخل الجراحي بسيط ولا يحمل تعقيدات أو يتطلب مهارات خاصة، أما الناسور الممتد خارج المعصرة الشرجية فيحتاج إلى فتح مؤقت للأمعاء على جدار البطن لإسكات منطقة إصلاح الناسور من الآثار التهيجية التي يحدثها مرور محتويات الأمعاء عبر منطقة إصلاح الناسور الذي يتم استئصاله وترميم فتحته المتصلة بالمستقيم. ويبقى النوع الثالث ذو العلاقة بالمعصرة الشرجية هو الذي يقتضي مهارة في التعامل معه، حيث غالباً ما يفرض الناسور المار فوق المعصرة الشرجية إجراءً غير الاستئصال والذي يؤثر سلباً في المعصرة الشرجية محدثاً انعدام السيطرة على الخروج، أما الأنواع الأخرى من الناسور ذات العلاقة بالمعصرة الشرجية فإنها تحتم استئصالاً كاملاً للحيلولة دون رجوع الناسور، ولعل هذه النقطة من الأهمية بمكان، حيث إن كثيراً من التداخلات غير الناجحة لهذا النوع من الناسور تنتج من الاستئصال غير الكامل ضمن تخوف من الأضرار بالمعصرة الشرجية.
ونتيجة لهذه التعقيدات التي يفرزها طريق مرور الناسور بالمعصرة الشرجية فلقد كانت هناك محاولات جاهدة لاستحداث وسائل علاجية تعوض عن الاستئصال، ولعل أبسط هذه المحاولات تلك المعتمدة على وضع رباط عبر قناة الناسور المار فوق أو خلال المعصرة الشرجية والقيام بشده عبر فترة زمنية تضمن انسحاب الناسور إلى خارج قناة الشرج وبهذا يتم الاستعاضة عن التدخل الجراحي وتوفير إمكانية الأضرار بالمعصرة الشرجية، إلا أن نسبة النجاح هنا متفاوتة والمعاناة من عدم السيطرة على الخروج لفترات زمنية قد تطول أمور لا بد أن تؤخذ بالحسبان ولا بد من شرحها مفصلاً للمريض ضماناً لعدم مفاجأته بأي من درجات عدم السيطرة على الخروج وكسب أقصى درجات تعاونه للتغلب على أو الحد من الأعراض الجانبية.
وحول الجديد في علاج الناسور الشرجي يقول استشاري الجراحة العامة والجهاز الهضمي نظراً للمعوقات التي تفرضها طريقة الرباط برزت محاولات جادة للتغلب على كل سلبيات الطرق العلاجية المرتبطة باستئصال الناسور بالرجوع إلى أساسيات الناسور والذي هو طريق غير طبيعي بين الغشاء المخاطي لقناة الشرج أو المستقيم والجلد المحيط بفتحة الشرج لذلك فإن التحفيز التام لهذا الطريق يبدو أمراً منطقياً قادراً على إنهاء وجود الناسور بأقل الأضرار، ومن أكثر هذه المحاولات تلك المعتمدة على تحديد خط مسار الناسور ومن ثم تبخير أنسجته الليفية باستعمال أشعة الليزر يعقبها سد الفتحة الداخلية وحشو المنطقة بالصمغ الحيوي، وفيما عدا صعوبات تتعلق بغلق الفتحة الداخلية فإن هذه الطريقة سهلة التطبيق ونسبة نجاحها عالية عند إتقانها، ولعل أهم إيجابيات هذه الطريقة أنها لا تستأصل ما يعيق عمل المعصرة الشرجية ومن ثم ظهور انعدام سيطرة على الخروج إما لفترة وجيزة كناتج عرضي للتداخل الجراحي أو بشكل دائم نتيجة لتأثير سلبي مزمن على المعصرة الشرجية، وإيجابية أخرى هي إمكانية معاودة الطريقة بحالات النجاح غير المكتمل باعتبار ذلك مرحلة ثانية للطريقة ذاتها.
وهناك محاولات أخرى للتعامل مع الناسور مبنية على تغطية الفتحة الداخلية الموجودة على غشاء قناة الشرج أو المستقيم باستعمال الأنسجة المحيطة لهذه الفتحة وبأساليب جراحية بالغة التقنية، ويمكن الجمع بين طريقتي الليزر وسد الفتحة الداخلية فبعد تبخير مسار الناسور بالليزر يتم غلق الفتحة الداخلية ومن ثم وضع الصمغ الحيوي داخل قناة الناسور. وإزاء هذه التوجهات الجراحية والإخفاقات لا بد من أن يطرح سؤالاً عن الأضرار الناجمة عن ترك الناسور والمضاعفات الفعلية له، ويمكن القول إن الناسور أياً يكن نوعه لا يلتئم ويبقى إحراجاً كبيراً للمريض من خلال الإفراز الذي قد يكون مستمراً ومحدثاً آثاراً سلبية عائلياً، اجتماعياً، ووظيفياً، وقد يزعزع ثقة المريض بنفسه فارضاً عليه تداعيات هو في غنى عنها، كما أن الناسور عرضة للالتهاب وتكوين خراجات تحتاج إلى تداخل جراحي لتنظيفها وعلاجها وقد يكون هذا أمراً متكرراً يجعل من حياة المريض معاناة بالغة، وخصوصاً إذا لم يتم الالتفات إلى أن سبب الالتهابات والخراجات ناسور شرجي.
وهناك الناسور المار من المستقيم إلى الجلد الخارجي والذي غالباً ما يكون تعبيراً عن وجود حالة مرضية معينة في المستقيم تحتاج إلى علاج، ويبقى بعد كل هذا وذاك سؤال تصعب الإجابة عنه وهو علاقة الناسور الشرجي بتحفيز تحول سرطاني، وأياً يكن وإن كان هذا احتمالاً بعيداً أو حتى أمر غير مثبت فإنه يوجد التزام على الطبيب بضرورة معالجة الناسور، ولذلك تطفو حقيقة تعلو غيرها وهي أن الناسور يستوجب علاجاً فاعلاً للتخلص منه.
ويبقى ضرورة التركيز على نقطة قد تبدو عابرة وهي كيفية التعامل مع الخراج الشرجي فور مشاهدته، حيث كثيراً ما يؤدي الإيغال في جرف هذا الخراج أو وضع حشوة داخله كما كان متبعاً سابقاً، إلى استحداث ناسور شرجي، ومن هنا لا بد من التأكيد على أن الطريقة المثلى للتعامل مع الخراج الشرجي تكمن في استخراج القيح وغسيل فجوة الخراج وتركه يلتئم مما يقلل من فرص استحداث الناسور.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved