Monday 8th November,200411729العددالأثنين 25 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "شهر الغفران"

..... شخصيات إسلامية ..... ..... شخصيات إسلامية .....
مصعب بن عمير

* الرياض - وسيلة محمود الحلبي:
لقَّبه المسلمون (بمصعب الخير) وأشهر إسلامه على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم رغم معارضة أمه وعشيرته، وهاجرمع من هاجر من المسلمين إلى الحبشة انصياعاً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتقاءً لصلف قريش وأذاها ..إنه (مصعب بن عمير) الذي نشأ في أسرة موسرة منعَّمة ، فعاف كل هذا النعيم ليصبر وهو مسلم على الهجرة والفقر والعوز ويحتمل غضب أمه عليه لدخوله في الإسلام وتركه عبادة الأوثان حين قالت له: اذهب لشأنك، لم أعد لك أماً.. قال لها بجرأة: ( يا أماه) إني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزهد في ثروة أهله الكفار، ورغب بالفقر المادي في ظل الإسلام والغني الروحي الذي لا يعادله غنى، ولتمتعه بهذه الشخصية فقد أوكل اليه الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - مهمة جليلة وأساسية في الدعوة الإسلامية وهي (تعليم الأنصار) وتفقيههم بالدين الجديد بعد أن زاده الإسلام رجاحةً في العقل والخلق الكريم، وبعد أن لمس ثقة المسلمين به والتفافهم حوله وقدرته على تأليف قلوبهم والتأثير في عقولهم حين ندبوه لينوب عنهم بعد بيعة العقبة في لقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس وفد يضم سبعين مؤمناً ومؤمنة ومن يومها كرس جل وقته (للدعوة) الإسلامية بفطنة وذكاء متسلحاً بالحجة القوية والبلاغة البيانية ورحابة الصدر والصبر على خصوم الدعوة الإسلامية.
ولهذا فقد واجه (مصعب بن عمير) مواقف صعبة وظفها في صالح الدعوة الإسلامية.
فقد واجهه (أسيد بن حضير) وكان من غلاة المشركين حين طلب من (مصعب) أي يكف عن فتنة الناس بالإسلام، وأن يرحل إن ظل على ايمانه وإلا واجهه بالسيف والرمح، فكان رد مصعب درساً في الحلم ورحابة الصدر ورجاحة العقل حين قال لأسيد: أولا تجلس فتستمع، فإن رضيت دعوتنا قبلتها وإن كرهتها كففنا عنك ما تكره.
فأجابه (أسيد) اتفقنا، وألقى حربته على الأرض وجلس يصغي إلى القرآن الكريم فخشعت جوارحه، ورقَّ وأطمأن لكلام الله الآسر الفياض بالرحمة ({قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فتنهد أسيد وتحسر على ما فرط في جنب الله وقال: ما أحسن هذا القول وأصدقه، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين؟ فأجابه (مصعب) يطهر ثوبه وبدنه ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. وشاع خبر إسلام (أسيد بن حضير) في أرجاء المدينة، كيف لا وهو السيد المهاب المطاع فأقبل على أثره (سعد بن عبادة) و (سعد بن معاذ) وأعلنا إسلامهما على يد (مصعب) الذي أضفى عليه جميع من أسلموا على يديه لقب (مصعب الخير).
وبعد هجرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة أخذ الإسلام ينتشر في السرايا والغزوات، ففي غزوة أحد يسلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الراية (لمصعب بن عمير) وتدور الدائرة على المشركين ويولون هاربين غير أن رماة المسلمين المتمركزين فوق الجبل بعد أن رأوا بشائر النصر على الأعداء، خالفوا أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الا يغادروا الرماة مواقعهم فوق الجبل، حيث انتهز المشركون هذه (الثغرة) والتفوا من وراء الجبل ليباغتوا في حركة (تكتيكية) جيش المسلمين فدبت الفوضى في صفوفهم، ونالوا دماءهم بسيوفهم وامعنوا في القتل حتى وصلوا الى موقع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهنا جعل (مصعب بن عمير) من نفسه دريئةً تحمي الرسول الكريم من سهام الأعداء.
يقول ابن سعد:( أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل البدري عن أبيه قال: ( حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن متميئة وهو فارسي فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فخنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } ثم حمل عليه الثالث بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء، وهكذا سقط (مصعب بن عمير) شهيداً في سبيل الله، ليبقى حياً عند ربه إلى أبد الآبدين {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
يقول خباب بن الأرت:( هاجرنا مع رسول - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً، منهم (مصعب بن عمير) قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برز رأسه فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اجعلوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر). وقرأ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - قول الله عز وجل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ثم ألقى نظرةً وداع على الجثمان الطاهر وقال: لقد رأيتك بمكة، وما بها أرقَّ حُلة، ولا أحسن لمة منك، ثم ها أنت ذا شعث الرأس في بردة) وجال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بين الشهداء وفيهم عمه (حمزة بن عبدالمطلب) وشهد لهم جميعاًً قائلاً: إن رسول الله يشهد إنكم الشهداء عند الله يوم القيامة) والتفت بوجهه الكريم إلى اصحابه الأحياء قائلاً لهم:( أيها الناس زوروهم، وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved