Monday 8th November,200411729العددالأثنين 25 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
إنَّها عائشة
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

إنها أنموذج بشري متميِّز، عقل راجح، وقلب مطمئن بإيمانه، ونفسٌ مستقرة بيقينها، تديُّنٌ والتزام، خوفٌ من الله ولجوء إليه، علم غزير، ثقافة واسعة، أدبٌ زاخر، حفظ وفهم، وعيٌ وإدراك، يقين كالجبال الراسيات، إنها أنموذج رائد للمرأة الواعية التي لا يخدعها البريق الكاذب، ولا تميل مع الريح أنى تميل، المرأة التي تعرف ما تقول، وتدرك أثر ما تقول، وترقى بنفسها عن كلِّ معنى ساقط، أو لفظة هابطة، لأنها ترتفع دائماً إلى درجات الإيمان العُليا التي لا يرقى إليها إلا الصادقون الصابرون المخلصون.
إنها عائشة، تسمع فتحفظ وتفهم وتوجِّه وترشد وتربيِّ، وتنصح، وتصحِّح، فهي في خيرٍ دائم ما بين عبادة ودعاءٍ، ودراية ورواية، وحفظ وفهم، وتوجيه وإرشاد، وهي مع ذلك أديبة بارعة، حافظة للشعر، مدركة لأبعاده ومعانيه، تستمع إلى القصيدة فيها ستون بيتاً فتحفظها حفظاً جيداً، تحفظ لبعض الشعراء أكثر من ألف بيت من الشعر المليء بالحكمة والمثل، والصورة البلاغية الجميلة.
إنها عائشة التي أدركت معنى علاقتها بالقرآن الكريم، وبالسنة المطهَّرة، وبالمنزل النبويِّ الذي يتَّصل صاحبه بالسماء، امرأة ذات عقل راجح، وبصيرة ثاقبة، وعاطفة جيَّاشة، وإيمان بالله راسخ رسوخ أحدٍ وسَلْعٍ ورضوى.
إنها عائشة التي دخلت إلى المجد من أوسع أبوابه، وأدركت أنها يمكن أن تؤدي دوراً عظيماً في بناء أمة الإسلام بناءً علمياً وثقافياً وأدبيَّا حتى تكون أمةً ذات مكانة بما تحمله من الخير وتنشره من الهدى والرشاد.
إنها عائشة أنموذج لكل امرأة مسلمة تريد أن يكون لها دور كبير في تقدم مجتمعها وأمتها تقدُّما إلى الفضيلة والعدل والخير والإنصاف والاستقامة الراشدة على منهج الله سبحانه وتعالى.
إنها عائشة التي استحقت أن يقول لها حبيبها وحبيبنا عليه الصلاة والسلام:
هذا جبريل يُقرئك السلام، فقالت: وعليك وعليه السلام، ترى ما لا أرى، والتي استحقت أن يقول لها أيضاً: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
إنها عائشة الزوجة الحبيبة لأفضل خلق الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم التي تملك من خفقان قلبه الطاهر ما لا تملكه زوجة أخرى من زوجاته، ومع ذلك فهي صاحبة خلقٍ رفيع، وتواضع جَمّ، فلا غرور ولا كبرياء.
تأملت قولها لابن أختها: ادفنوني إذا أنا مت بالبقيع، وإن في حجرتها لموضع قبرٍ، ولكنها قالت: لا أُزكَّى به أبداً، أي: لا أُدفن فيه فيكون ذلك تزكية لي عند الناس، بل إنها قالت عند وفاتها:
إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادفنوني مع أزواج النبي، وقد علَّق الذهبي على قولها: أحدثت، بقوله: تعني عائشة بذلك مسيرتها يوم الجمل، فإنها ندمت على خروجها إلى الشام ندامةً كلّيةً، وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا مجتهدةً متأوِّلة قاصدة للخير.
تأمَّلتُ ذلك فعجبت لهذا الأنموذج البشري الرَّاقي كيف يغيب عن معرفة وثقافة كثير من المسلمات في هذا العصر، ولماذا يغيب؟
إشارة:


روح مطهَّرة وقلب خافق
ومودة عظمى وحب صادق


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved