في خضم التصدي للفكر المتطرف ومواجهة خلايا الإرهاب وما استلزمه من مواجهة العمليات الإرهابية بإجراءات أمنية عاجلة لتدارك مخاطر تلك العمليات، ينبثق طرح برامج وأفكار لرسم استراتيجيات بعيدة المدى تترافق مع الإجراءات التي تمليها ضغوط الظروف الآنية. وتعد الثقافة القانونية والفكر الحقوقي من احدى الوسائل الوقائية التي يحتاجها مجتمعنا، والتي لم يتهيأ لها بعد او يدرك أهميتها بما يكفي. فهناك تطوير مستمر للإجراءات العدلية التي تصدر من وزارة العدل مثل نظام الإجراءات الجزائية ونظام المحاماة والمرافعات.. إضافة لأنظمة عديدة تصدر من جهات رسمية مختلفة..
يمكن القول إن الفرد الذي يملك ثقافة قانونية ويدرك حقوقه وحقوق جماعته الاجتماعية أو مؤسسته، يمكنه أن يحتمي بالتشريعات والأنظمة والقوانين عند تعرض تلك الحقوق للتهديد أو الاعتداء، على نقيض ذلك الذي يجهل تلك الحقوق. كذلك فإن امتلاك ثقافة قانونية يتيح المجال للفرد بالمبادرة والمشاركة في التوعية بالحقوق، والانخراط في مؤسسات اجتماعية ولجان قانونية تعنى بالدفاع عن الحقوق وحمايتها.
ولكي يصبح لتلك الثقافة معنى لا بد من ضمان تطبيق الأنظمة والقوانين، والقدرة على تنفيذها. مثلاً، هناك حقوق للمرأة كفلها الشرع والأنظمة المدنية، ولكن تتعرض كثير من النساء للعنف أو السلب دون أن يدركن أن ثمة قوانين تحميهن.. والإدراك وحده غير كاف، بل ينبغي أن يترادف معه سلامة الإجراءات القانونية وسلاستها لحماية المرأة أو تمكينها من استرجاع حقها.. وهذه ليست بالعملية السهلة في ظل ظروفنا الاجتماعية التقليدية!
ومن هنا ينبثق السؤال الأساسي: كيف يمكن تنمية الثقافة الحقوقية؟ في تقديري أن ذلك يتم عبر عدة مسارب أو عوامل منها التوعية التربوية والإعلامية واقامة الندوات واللقاءات العامة، وبناء هيئات ومؤسسات المجتمع المدني لحماية حقوق المنتسبين لكل مؤسسة اجتماعية، وتشكيل لجان الدفاع عن الحقوق وعن الحريات العامة والخاصة، إضافة بطبيعة الحال إلى الدور المباشر لمكاتب المحاماة والاستشارات القانونية.
كما يعد تفجر المعلوماتية (الإنترنت) أحد أهم الأدوات التي تتحقق من خلالها المعرفة القانونية، أو ما يطلق عليه البعض المعلوماتية القانونية. كذلك إجراء أبحاث عن الظواهر الاجتماعية المرتبطة بإهدار الحقوق، خاصة حقوق المرأة، تعتبر أحد الروافد للثقافة القانونية. على أن كل ما ذكرت مرتبط أساسا بالسياق الحضاري للمجتمع ومدى إمكانيته وجاهزيته لتفعيل هذه العوامل التي تؤسس لثقافة قانونية مدنية عصرية.
وفي هذا السياق تنبع أهمية تدريس الأنظمة وقوانين العمل في الجامعات السعودية، وهي حاليا تدرس للطلاب دون الطالبات. وفي تقديري أن تدريس القانون للطالبات لا يقل أهمية عن تدريسها للطلاب، وينبغي دعم كليات وأقسام القانون من قبل الهيئات والمنظمات المحلية.
على أن الأهم هو مراجعة المناهج الدراسية بما يضمن تدريس مواد حقوق الإنسان في كافة الكليات والمعاهد وليس فقط أقسام القانون، وربط هذه المواد بالواقع والنصوص والمواثيق الدولية.
والإعلام هنا هو مفتاح باب التوعية الثقافية الحقوقية، فالقوانين موجودة هنا وهناك، وقد تحتاج لإصلاح أو تفعيل، إنما دون أن نفتح الباب للنقاش والحوار والتوعية الحقوقية إعلامياً لن نتمكن من تشكيل ثقافة قانونية. فلا بد من المكاشفة بحاجات الجميع ومن ثم البحث عن الأنظمة التي تكفل هذه الحاجات دون اخلال بالاستقرار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
هناك حاجات وحقوق لفئات اجتماعية كالشباب والمرأة والأقليات.. الخ، وهذه لن تدرك دون كشف حاجات وقناعات الجميع.
وفي مجال الإنترنت تقوم المعلوماتية القانونية التي أشرت إليها، بدور هائل في التوعية بالقضايا القانونية وحقوق الأفراد والجماعات. وهناك تفجر هائل للمعلومات القانونية والوعي الحقوقي يعمل على تنمية الثقافة الحقوقية، ويساند الأفراد بالمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها عبر القنوات الرسمية والنظامية وتحسين الأداء العدلي وتسهيل الإجراءات القانونية وتفعيلها، ويدعم وجهات نظرهم في قضايا الإصلاح القضائي والحقوقي في المجتمع، ويشجع الجماعات والأفراد على تأسيس لجان وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، عبر الأنظمة الرسمية..
ليس المطلوب من الفرد البحث في المسائل الحقوقية والتعمق فيها، فالقراءة في المؤلفات القانونية لغير المتخصص هي من قبيل الاستزادة الثقافية، أما علم المواطن بالأنظمة القانونية بصورة عامة فهي أحد ركائز المواطنة في المجتمع لإدراك حقوقه الشخصية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى إدراك واجباته، فالمواطنة بالأساس تستند على الحقوق والواجبات، وفي مجال الحقوق يتشكل المجتمع المدني عبر الحقوق المدنية والحقوق بالمشاركة في الشأن العام والحقوق الاجتماعية (العدالة الاجتماعية)..
|