على شرف معالي وزير التربية والتعليم.. وبحضور أعضاء مجلس كليات المعلمين.. وجمع من منسوبي كلية المعلمين في الطائف.. في ليلة من ليالي الخير والبركة في هذه المحافظة الوادعة.. وبعد يوم حافل بالنقاش والمدارسة حول واقع هذه الكليات ومستقبلها.. وفي جو أخوي متميز وكرم طائفي رائع.. ودع مجلس كليات المعلمين أربعة عمداء.. ثلاثة منهم عادوا الى التدريس داخل أروقة كلياتهم بعد أن أمضو فترتين أو ثلاث وربما يزيد وهم على رأس الهرم الإداري في هذه الكليات.. لقد ترك الدكتور موسى العبيدان كرسي العمادة في منطقة تبوك وعاد أستاذاً في قسم اللغة العربية.. وفي كلية المعلمين في الدمام خلف الدكتور خالد النويصر الدكتور عبدالله الجهيمان على كرسي العمادة.. وودع الدكتور خميس الغامدي عمادة كلية الباحة ليعود إلى القاعات الدراسية أستاذاً للسيرة النبوية.. ولا يعد صنيع هؤلاء الزملاء الأعزاء بغريب على العرف الجامعي إذ سبقهم كثر وسيلحق بهم من خلفهم.. والذي أعرفه جيداً أن هناك من العمداء الذين أعرفهم على الأقل يتركون الكرسي ويعودون إلى التدريس بإرادتهم وبقناعة تامة بأن رسالة عضو هيئة التدريس لا تقل بحال من الأحوال عن مهمة العميد، ولم يكترثوا بما عسى أن يقال إن كان سيقال، والمشهود أن جمعاً من هؤلاء الزملاء الأعزاء يعودون بدافعية إيجابية ورغبة قوية لأداء الدور التربوي والتعليمي بكل صدق وإخلاص ويعملون جاهدين لاستمرار نجاح هذا الكيان الذي ينتمون إليه ويقدمون النصائح القلبية للعميد الجديد رغبة في تميزه ورفعة كليتهم دوماً، وهذه ليست قاعدة مضطردة حسب علمي.
هذه بحق هي العقلية التي نأمل أن تسود في محاضننا التربوية التعليمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: متى نصل إلى القناعة التامة بأن القيام بمهمة الإدارة المدرسية على قدم المساواة مع رسالة التعليم في فصولنا الدراسية؟؟؟
لماذا نعتقد بأن العودة إلى السبورة والطابشير بعد الجلوس على الكرسي الدوار دونية وتقليل من قدر هذا المعلم أو ذاك ونزول من الدرجة الأعلى في السلم إلى درجة أدنى!!
إنني أرى أن ما نص عليه منذ سنوات من وجوب تدوير مهام العمل الإداري في مدارسنا أو على الأقل جعل نظام العمادة في جامعاتنا السعودية يسري على التعليم العام هو الأجدى في مسارنا التعليمي، ويمكن تخفيض نصاب المعلم بعد أن يعود من تجربة الإدارة التي مر بها تقديراً لما قدم وأبدع إلى النصف مثلاً.. ذلك أن المتميز تخصصاً وإتقاناً غالباً ما يترك التدريس في الصف وللأبد بعد أن اكتسب الخبرة التربوية من الممارسة العملية وعرف مسارب التعامل مع الطلاب في سنوات تعيينه الأولى، ويخلفه معلم جديد يحتاج إلى المرور بنفس التجربة تماماً وهذا ينعكس على العملية التربوية سلباً حسب اعتقادي الشخصي.. وليس من المنطق منع المتميز تسنم منصب الإدارة في هذه المدرسة أو تلك لكونه متميزاً في تخصصه والميدان أشد ما يكون حاجة إليه إذ إنه سيطالب وبالإلحاح ما يعتقد أنه حق حصل عليه أمثاله ممن هم في الميدان وربما كانوا أقل منه مهارة وخدمة.
قد يقول قائل ان هذا النهج التغيري قد يجعل من تسند له إدارة المدرسة لا يخلص في العمل ولا يتفانى في العطاء لأنه يعلم أنه لابد أن يتركها خلال العام الدراسي القادم أو الذي يليه غالباً، وهذا القول هو في نظري من الحيل النفسية التي تعيق الشروع الجاد في هذا السلوك البناء الذي يجعل أعمالنا مؤسساتية لا ترتبط بشخص ولا تتأثر بغيابه فهي قابلة للاستمرار بوجود أي منا على كرسي الإدارة، وكلياتنا خير مثال،، وعودة خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) رضي الله عنه جندياً في الصف بعد أن كان قائداً للجيش مثال يضرب أطنانه في تاريخ أمتنا المجيد، ويعطي الدرس الفعلي لكل صاحب أنفة يعتقد أن في هذا النهج التغيري مساس بشخصيته واتهام له في قدراته القيادية.
إنني أظن أن جل من في الميدان مؤهل للقيام بمهام الإدارة المدرسية متى ما منح الثقة واكتسب الخبرة ودعم بالدورات التدريبية المناسبة له لإكسابه مهارات فن التعامل الإيجابي مع الأطراف المتعددة ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بهذا الكيان العزيز على قلوبنا المحبب الى نفوسنا (المدرسة).
إن الإشكالية التي تقف عائقاً أمام سلوك هذا النهج التغيري هي الثقافة السائدة في مجتمعنا المدرسي من أن المدير أعلى درجة من المعلم ولا يمكن أن يعود من تسنم صهوة الكرسي الدوار إلى الصف معلماً للتلاميذ مرة أخرى إلا نادراً، ولن تحل هذه الإشكالية ولن نتخلص من هذا التصور المغلوط بقرار وزاري يعمم على مدارسنا بل لابد من بناء القناعة التامة لدى جميع المعلمين والتربويين بل لدى المجتمع بأسره بأننا جميعاً في سفينة واحدة نقوم بأعمال متكاملة كلها مهمة من أجل غد أفضل لمن هم على مقاعد الدراسة بقي أن أشير إلى أن هذا التوديع للعمداء الأربعة كان في حفل تكريمي مبسط جاء عقب إفطار الجميع أول أيام العشر الأخيرة من هذا الشهر المبارك على مائدة معالي وزير التربية والتعليم في الطائف، وأن هذا التكريم عادة سنوية سنها وحرص على استمرارها وكيل وزارة التربية والتعليم لكليات المعلمين د. محمد بن حسن الصايغ، فللجميع كل الشكر والتقدير والدعاء الصادق بأن يتقبل الله منا جميعاً الصيام والقيام ويرزقنا العتق من النار وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ويجزل لنا العطاء في هذه الأيام والليالي المتبقية من العشر المباركة.. آمين.
|