Monday 8th November,200411729العددالأثنين 25 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

اللهاث خلف السراب اللهاث خلف السراب
عبدالله الصالح العثيمين

في الأسبوع الماضي اشتدت حمى انشغال كثير من قوات الإعلام، مسموعة ومرئية ومكتوبة، بالانتخابات الأمريكية، وانشغال من انشغل بتلك الانتخابات أمر متوقع من مبرراته أن أمريكا قد أصبحت - منذ انهيار الاتحاد السوفيتي - هي المتحكمة في مسيرة شؤون العالم، شرقه وغربه، بدرجة كبيرة. وكان كاتب هذه السطور ممن آلمه أشدّ الألم ذلك التحكم، الذي تتجلى أبرز صفاته، وأوضح مظاهره، في استعراض قادة تلك الدولة لعضلات جبروتها وغطرستها غير عابئة حتى في قرارات الأمم المتحدة، التي كانت وراء إنشائها أساساً لتكون إحدى الوسائل لمد نفوذها. ولذلك كتبت قبل عشر سنوات، هذه الأبيات معبراً عن ذلك الألم:


غير مأسوف على زمن
ينقضي بالهمّ والحزنِ
قالها قبلي أخو شجنٍ
فأثار المرّ من شجني
قالها صدقاً وكيف به
لو رأى ما ساد في زمني
من مآسي عالم سلبت
كلّ حرّ لذة الوسن
تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدخن
دولة من كيدها مُلئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكُنِ

نعم انشغل الكثيرون في العالم، قادةً وشعوباً، بالانتخابات الأمريكية، واختلفت بواعث الاهتمام بها في بعض بلدان الغرب عنها في بعض بلدان الشرق، وبخاصة العربية منها. أما الغربيون فيعرفون أبعاد نتائج تلك الانتخابات معرفة موزونة. وأما الشرقيون، ولا سيما العرب، فينظرون إليها نظرة من لم يقرأ التاريخ قراءة فاحصة، ولم يتدبّر تاريخ قادة أمريكا بالذات حق التدبُر. ولذلك راحوا - كعادتهم في انتخابات سابقة - يلهثون وراء سراب آمال يعلقها فريق أحد المرشحين ويعلقها فريق على الآخر، وكأن أياً منهما يمكن أن يقدم على القيام بدور لا يتفق مع رغبات الصهاينة.
إن قراءة تاريخ الزعماء الأمريكيين، ابتداء بالرئيس ولسون، الذي نادى بمبادئ جميلة المظهر، وانتهاء بالرئيس الحالي بوش محط آمال من هم الجزء الأخطر في بلايا أمتنا، تثبت أن كل رئيس، جمهورياً كان أو ديمقراطياً، لم يدخر وسعاً في تقديم خدماته للصهاينة على حساب الحق العربي الفلسطيني.
وعندما انتخب الرئيس بوش قبل أربع سنوات عبّر كاتب هذه السطور عن تحكم أمريكا في العالم، وتحكُم الصهاينة بها، بقصيدة ختمها بقوله:


السياسة لا تقربها
طعمها يلولش لولاشِ
أوجزها خبير فاهم
دنيا العملة والرشاش
كل العالم بيد أمريكا
تلعب به طاش وما طاش
ما غير تعيزل وتبيزل
دون بريك ودون فلاش
هذا تجدع عظم بثمه
وذا من دونه فشناش
واللي يعاند إن رافت به
تحيله على المعاش
لو هي ما تطلع من شوفة
طغمة صهيون الاوباش
ذا دابه من عهد كلينتون
واللي قبله به هشهاش
كله واحد من يقوده
بوش والا اللي ما باش

ونتيجة لقراءتي لتاريخ زعماء أمريكا - وان تكن قراءة محدودة، بالنسبة لقضية أمتنا: قضية فلسطين، واقتناعي بأنه لا يوجد فرق جوهري بين رئيس جمهوري وديمقراطي تجاهها، إذ الكل مثقفون على الوقوف مع الصهاينة المحتلين لفلسطين، لم أنشغل كما أنشغل الكثيرون بالانتخاب الأمريكية الأخيرة.
فشهاب الدين إن لم يفق أخاه في صفته فإنه لن يقل عنه. موقف المتحمسين لمتابعة الانتخابات الأمريكية من أبناء أمتنا، وبخاصة العرب - أيقظهم الله من سبات غفلتهم - يذكرني بحادثة لطيفة مرت بي عندما كنت أدرس في ادنبرا الاسكتلندية، في يوم من الأيام نزلت الى لندن، وكنت قد سمعت بسوق يجلب فيه اليهود ما يجلبون يوم الأحد.
وراودتني نفسي الامارة ان أزور ذلك السوق للفرجة على الأقل.
سألت أحد رجال البوليس البريطانيين: أين سوق اليهود. ويبدو أنه اطمأن إليّ من رؤيته لملامحي، وسماعه لهجتي الاسكتلندية المعوجة، فكان جوابه: هيه. أيها الشاب - وكان ذلك قبل 35 عاما من الآن - هل يوجد سوق غير يهودي؟
تلك الحادثة - وأهم ما فيها جواب رجل البوليس البريطاني - عادت حيّة في ذاكرتي وأنا انظر الى انشغال البعض من الاخوة والأخوات بالانتخابات الأمريكية، وجعلتني أتجاسر لطرح هذا السؤال: هل يمكن أن يحتل رئاسة البيت الأبيض من لا يرضى عنه الصهاينة؟
ومعرفة الإجابة عن هذا السؤال يجدها المتابع لمسيرة الانتخابات الأخيرة بيسر ووضوح، فقد كان كل من المرشحين للرئاسة الأمريكية يباري الآخر في بحثه عن كلمات يستجدي بها عواطف الصهاينة، سواء كان من دوافعه لذلك عقيدة التصهين أو لم تكن.
أصل مشكلة أمتنا، قادةً وشعوباً، أنها - على العموم - قد فقدت الثقة بنفسها منذ ثلاثة عقود على الأقل، وأصبحت ترى أنها عاجزة عن أن تحك جلدها بظفرها، وظهور روائع مقاومة هنا أو هناك باعث للأمل في أنه لا يزال فيها خير، لكن هذا استثناء من العموم. لقد وجد من زعماء الأمة من قال: إن 99% من حل قضية فلسطين في يد أمريكا. وكان الأجدر بذلك عدم المنة على أمته بإعطائها، مع الآخرين غير الأمريكيين، 1% من المقدرة على حلّ تلك القضية، لكنه كان من عشاق رقم 99%. ولعشقه هذا خرق سفينة الأمة مبتدئاً بتسوية مع العدو الصهيوني ثمنها إخراج مركز الثقل الحقيقي من ميدان المواجهة مع ذلك العدو. وما دامت السفينة خرقت، فبدأت تغرق وتغرق أهلها، فلا عجب أن انهالت - فيما بعد - المبادرات التي كان من المفروض أن يعرف المهتمون أنها لن تكون إلا ضريعاً لا يسمن ولا يغني من جوع ما دام أن زعماء الأمة الأمة قد أسقطوا المقاومة من حساباتهم مهما كانت الظروف.
أصل مشكلة أمتنا، ولبها، أن قياداتها - وإن كان فيها المخلص - لم تعرف كيف تجعل لها مواقف رائعة قادرة على مواجهة أعدائها بطرق مثلى. لو تأملت مسيرة التاريخ القريب، وأحداث الحاضر المعاش، لوجدت في سيرة غاندي، الذي قام بما ضمن ثقة شعبه بهن تجربة يحتذى بها، وفي موقف رئيس وزراء ماليزيا السابق الذي تسابق شعبه في تأييده للتصدي أمام المؤامرة الاقتصادية ضده، مثلاً يقتدى به، ولوجدت من كفاح الشعب الجزائري أمام قوة جبارة، ثم من بطولة المقاومة في جنوب لبنان للعسكرية الصهيونية، وفوق الجميع مقاومة الشعب الفلسطيني المتكالب عليه من الكثيرين، دروساً فائضة بالعبر.
ليس المهم مَنْ يترأس في البيت الأبيض الأمريكي، فكل من شهاب الدين الجمهوري وأخيه الديمقراطي لن يكون محايداً في موقفه بين الصهاينة المحتلين لفلسطين والفلسطينيين المحتلة أرضهم. بل ستكون خدمة الصهاينة من أولى اهتماماته سواء كان ذلك نابعاً من عقيدته المتصهينة أو من خوفه من نفوذهم المتغلغل في مجتمعه.
المهم هو: هل ستظل أمتنا سادرة في غيها تلهث وراء سراب آمال خداعة حالمة في إن يعمل لها الآخرون ما لا تعمله هي لنفسها؟ هل سيظل شبح الخوف من أعدائها يجعلها تتعاون معهم، اقتصادياً وعسكرياً، وإن كان هذا التعاون ضد مصلحتها فرادى أو جماعات. {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved