Sunday 7th November,200411728العددالأحد 24 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

19 ربيع الأول 1392هـ الموافق 2 - 5- 1972م العدد (389) 19 ربيع الأول 1392هـ الموافق 2 - 5- 1972م العدد (389)
في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم

كانت الجزيرة العربية في العصور الأولى تعاني من الفوضى في جميع شئونها السياسية والدين والإدارة والأخلاق فقد كان أهلها يتخبطون في عبادة الأصنام والكواكب ومنهم من اعترف بالخالق وأنكر البعث ومنهم من أنكر الخالق والبعث معاً وقال بالطبع ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر. وكان من عاداتهم أنهم يقتلون النفس التي حرم الله قتلها والظلم للضعيف إذ كانوا يرتزقون بالغارات والغزوات ونهب الأموال.. لا تحجزهم قوة ولا يكفهم تحرج. ولا أخص العرب بوصف الجاهلية بل أعمم الإطلاق على كل الأمم التي بعث إليها محمد صلى الله عليه وسلم حتى لقد سئم الشرق كله من هذه العادات وأصحابها وتطلب الخروج من هذه الفوضى والراحة من شرها وكان بديهيا أن يستجيب الله لهذه النداءات التي ترتفع إلى السماء بمولد محمد صلى الله عليه وسلم فكان مولده صلى الله عليه وسلم نهاية لهذا العهد الجاهلي العتيق، وبداية لعهد إسلامي جديد مشرق بالإيمان والعدل والعلم. فقد شاهد محمد صلى الله عليه وسلم مظالم قريش على أيدي التجار الذين يملكون الثروة, والسيطرة والآلهة التي تحكم لهم بإذلال الآخرين من الضعفاء الذين أصبحوا لحوماً بشرية تقتاتها وحوش بشرية, ودماء تغريهم بدماء قوم آخرين.. فجاءت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد أنه لا بد من اجتثاثه من أصله وبناء مجتمع جديد على انقاضه.. فعاب عليهم عبادتهم هذه الأصنام من الخشب فما هي إلا وثنية لا تضر ولا تنفع ولو رصعت بالنجوم لا بالذهب والزمرد وإنما الحق هو أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن العدل بين بني الإنسان هو أساس الحياة الجديدة وعلم أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالعلم وحده ومحاربة الجهل القائم.
فأسس محمد صلى الله عليه وسلم المدرسة الأولى للرعيل الأول في مسجده لتعليم القرآن ومبادئ الإسلام والكتابة ولمحاربة الأمية بجميع صورها وأشكالها حتى لقد تعاقد مع الأسرى الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة بعد نجاحه في معركة بدر الكبرى - بإعفائهم من الفدية التي فرضها على كل أسير حسب إمكانياته - وعندما نعلم حاجة الدولة في أول نشأتها وتأسيسها إلى المال الذي هو عصب الحياة لها ولقوامها، نلاحظ بإكبار وهو بأمس الحاجة إلى المال لدولته قد أعفاهم عنه مقابل أن يعلم كل أسير عشرة من الأميين مدى اهتمامه بالعلم ومحاربة الجهل الذي خيم قرونا طويلة حتى استطاع في سنوات أن يكون عدداً كبيراً يقرأون ويكتبون ويحسنون إدارة الأعمال.. واتجه إلى توسيع دائرة التعليم لتنتشر بين أصحابه وتلامذته في أرجاء الجزيرة والرسول صلى الله عليه وسلم يرصد لها ما قدر عليه من مبالغ من الموارد المحدودة التي ترد إليه، كما لم ينس دوره هو في الحث على التعليم وطلب المعرفة بمختلف الأساليب بل يفرضه عليهم فرضاً لا فرق عنده في ذلك بين الذكر والأنثى، إذ يقول بما معناه طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وكان لا بد لهذه الجهود التي بذلها في سبيل نشر العلم والمعرفة أن تثمر، فقد أصبح بين أصحابه الآلاف من المتعلمين والمتهيئن لنشر رسالته السماوية وهو ما يريده ويسعى إليه من وراء جهوده.. وهكذا سطعت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا على الجزيرة العربية فحسب بل على العالم كله لتحرر الإنسان من رقه وعبوديته لغير الله. ولتخرجه من سيطرة المادة عليه إلى السمو به إلى عالم القيم والأخلاق والرحمة بالإنسان أياً كانت شخصيته.. واتجهت الأيدي القابضة والنفوس الشح إلى الضعفاء مصافحة ومعانقة بعد أن آمنت بالحق وصدقت المبشرين.
وفي هذه المناسبة نجد بعض المسلمين يقيمون لمولد محمد صلى الله عليه وسلم الاحتفالات المختلطة والراقصة في بعضها.. منفقين عليها المبالغ الضخمة إلى حد الإسراف. ولعله من المجدي أن تمتد هذه الأيدي بها إلى الضعفاء والمساكين لإشباع البطون الجائعة - وما أكثرها - وهذا ما يريده لهم، الذين يحتفلون باسمه محمد صلى الله عليه وسلم لا ما يريدونه هم لمحمد صلى الله عليه وسلم، أليس هو القائل: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم، وكما هو القائل: اتقوا النار ولو بشق تمرة، ثم اسمعوه يقول: يسأل العبد عن ماله فيما أنفقه.
تلك هي المواقف البارة التي وقفها محمد صلى الله عليه وسلم بقلبه البار أيضاًَ، فليكن يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صادف ذكراه يوم الثلاثاء الماضي يوم المواساة ويوم إسداء المعروف إلى المستحقين في جميع أصقاع الأرض، والله الهادي إلى سواء السبيل.

صالح المنصور الشقحاء


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved