Sunday 7th November,200411728العددالأحد 24 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

السجين .. بين الرفض والقبول الاجتماعي السجين .. بين الرفض والقبول الاجتماعي
موسى بن فهد البشر /مدير متوسطة وثانوية تحفيظ القرآن الكريم بالأفلاج

ينظر المجتمع إلى السجين نظرة سلبية ، تتمثل في الريبة والتخوف والشك والازدراء والنبذ والتهميش ، وهذه النظرة تظهر بوضوح وجلاء في مجتمعاتنا العربية ، فلا مجال لتشجيع السجين ومحاولة ترميم أخلاقه وتعديل سلوكه وبث الأمل في نفسه ، فكثير من السجناء تبدو عليهم آثار الاكتئاب والحزن من هذه النظرة .. ولسنا بصدد الحديث عن استحقاق هذا السجين للعقاب ، ولكن هل بالإمكان الإسراع في احتواء هذا السجين وتقبله في المجتمع ؟ قبل أن يستقر في تفكيره وقناعاته بأنه إنسان فاشل وعضو غير صالح في المجتمع ، إنه من أول لحظة يتم فيها القبض على سجين ، عادة ما يتبادر إلى ذهنه قبل التحقيق وقبل التفكير في حكم سيحكم عليه هو خوفه وحرصه الشديد بأن لا أحد يعلم بوجوده كسجين سواء من عائلته أو من عامة الناس.
وهذا الخوف لا يأتي من المدة التي سيقضيها داخل السجن أو من نوع الجريمة أو الخطأ المرتكب ، ولكنه ناتج عما سيحدث له بعد الخروج وانقضاء حكمه.
- على أي وضع سيكون ؟
- هل سيكون له دور في المجتمع ؟ أم أن المجتمع لن يقبله وسيرفضه مما يزيد من معاناة المفرج عنه ، ويلاحظ ذلك من سجون عدة أنه عندما يدخل السجين السجن يقضي مرحلة تدريجية في حياته داخل السجن قد لا تتجاوز شهراً واحداً ، ويبدأ في الهبوط وخاصة فيما يتعلق بالجوانب النفسية من قلق وخوف واضطراب في الشخصية وميول إلى العزلة ، رغم ما يقدم للسجين من وعظ ونصح وتوجيه .. ولهذا وجب علينا إخراج السجين مما هو فيه من إحباط وتخوف عن ما سيقابله بعد الخروج ، ولا يتأتى ذلك إلا بعد تحقيق الأهداف العملية المباشرة على عدة مستويات ولعل من أهمها :
التعديل الأساسي في السجين وظروفه البيئة من معالجة لجوانب ضعف الشخصية والخوف لديه ، وتعديل الظروف البيئية المحيطة به حتى يمنع حدوثها مستقبلاً.
تطبيق الرعاية اللاحقة بعد خروج السجين ومحاولة إدماجه في المجتمع وتقبله له كعضو فاعل صالح منتج ، وأن ما ارتكبه فهو خطيئة والخطيئة تغتفر ، أي إكسابه المناعة التي تحميه من الوقوع في أي تصرف خاطئ.
وقد التقيت بأحد الأفراد من إصلاحية محافظة الأفلاج فسألته عن واقع السجناء من حيث نظرتهم للمجتمع ، فقال : لا أحد يشك في نظرة بعض الناس السوداوية إلى السجين ، الذي أخطأ ووقع في الزلل مما يجعل السجين يشعر بالإحباط واليأس .. ومن خلال تعاملنا مع النزلاء داخل السجون شعرنا بذلك ، فمنهم من يرفض حضور الكلمة أو المحاضرة أو المسابقة ، بحجة أن الملقي يعرفه ويخاف من نظراته ، ولعلكم تتصورون حالة السجين النفسية عندما يدخل السجن ويخرج ولا أحد يزوره ، بل ان بعضهم يرغب في الخروج لكن أين من يكفله ؟ فماذا ينتظر من هؤلاء بعد خروجهم وقد وجدوا مسببات الإحباط ، والذي زاد الطين بلة لو تحدث سرقة أو مشكلة ، فكثيرا ما يتعرضون للمسائلة والاتهام والشك من قبل المجتمع ، ثم أين احتضان السجين وتوجيهه بعد خروجه.
وتأتي المشكلة الكبرى عندما يجد السجين من أهله تلك النظرة التي يحاصرونه بها في كثرة الأسئلة والاتهامات ، كل ذلك يجعله يفكر في العودة إلى السجن لأنه قد يجد راحته فيه.
أخيراً.. أين أهل الخير من هؤلاء ؟ متى يفك السجين من سجن النظرة وأن أخطأ فهو في المجتمع وأحد لبناته والخطأ يعالج.
كما التقيت بأحد نزلاء الإصلاحية وسألته عن ما يفكر به بعد الخروج من الإصلاحية فقال : التفكير منصب عن الابتعاد عن رفقاء السوء والبحث عن عمل ، ولكن أكثر ما كان يؤرقني هو كيف أقابل أهلي وجماعتي ؟ هل يمسحون النظرة السابقة أم أنهم سيحاسبونني عليها ؟
وقال سجين آخر : أتمنى من الله أيغفر ويصفح ما سلف وكان من أعمال مشيئته ، وأردف قائلاً : أريد أن أغير من بيئتي وأعيش في مكان آخر بسبب ما أجده من الأهل من الجفاء والغلظة.
من خلال حديث النزلاء ومشاعرهم نجد أنهم يتألمون كثيراً ، وربما يتمنى بعضهم الهلاك والانتحار من خلال ما يواجهونه من الناس ، فيزيد هذا من المعاناة والقلق والكآبة.
وفي ختام هذا الحديث أقدم عظيم التقدير لمن بذل من وقته وجهده وماله وجاهه من أجل مصلحة السجناء في إصلاحية محافظة الأفلاج ، وفي مقدمتهم مدير وحدة إصلاحية محافظة الإفلاج النقيب محمد العلياني - وفقه الله - نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved