الرهان على الحل العسكري بالفلوجة

هناك رهان على القوة لإخضاع الفلوجة ومدن عراقية أخرى حيث بدأ تنفيذ هذا الخيار بالفعل من خلال القصف الجوي المكثف والتقدم لاجتياح المدينة بعد إبلاغ أهلها ضرورة إخلائها حيث لم يبق هناك الآن في المدينة إلا حوالي 50 ألف شخص في المدينة التي كان يسكنها 600 ألف مواطن عراقي، هذا الرهان قد يتيح السيطرة على الفلوجة إلى وقت ما، لكنه سيؤدي حتما إلى إشعال كل العراق الأمر الذي يفضي إلى تأجيل الاستحقاقات الدستورية المتمثلة في إجراء الانتخابات بعد شهرين من الآن..
إجراء الانتخابات في موعدها المحدد يغري باتباع كل الوسائل التي من شأنها تحقيق هذا الهدف، فهو هدف مطلوب بشدة باعتبار انه يعيد السلطة الكاملة للعراقيين علاوة على تجسيده آمال وتطلعات هذا الشعب لتنسم عبير الحرية بعد عقود عديدة من القمع فضلا عما يمكن ان يشيعه من استقرار قائم على أسس صلبة تتمثل في الاختيار الديمقراطي لأجهزة الحكم..
من أجل ذلك وغيره كان ينبغي استنفاد كل سبل الحل السلمي في الفلوجة وغيرها، غير ان الفلوجة تمثل بؤرة المقاومة العراقية، كما تعكس من الجانب الآخر عزما من قبل بغداد والأمريكيين لاستئصالها، ولهذا فإن نجاح الحل السلمي في الفلوجة كان سيعني الكثير ليس لهذه المدينة فقط بل لكامل العراق من جهة تهدئة الأوضاع تمهيد الأجواء للانتخابات المرتقبة..
غير ان العقلية العسكرية للاحتلال لا تفتأ تفرض نفسها بقوة السلاح وتتبع الخيار الأقرب إلى طبيعتها العسكرية، فالوجود العسكري الكبير لا يمكن ان يعبر عن نفسه إلا بهذه الطريقة..
ولا يعرف المدى الذي سيذهب إليه هذا التوجه في حلحلة بقية المشاكل العراقية، لكن الشيء المؤكد ان هذا الأسلوب سيستمر فقط في إفراز المزيد من المصاعب طالما ان هناك استعدادا من الجانب الآخر لمواجهة التحدي، وخصوصا ان هذا الجانب المتمثل في المقاومة العراقية وغيرها من جماعات مسلحة تحتكم أيضا للسلاح في توجهاتها وتحركاتها.
وفي الشهر الفضيل يتحول سكان الفلوجة إلى نازحين من ديارهم في وقت يفترض فيه مراعاة هذه الأيام الطيبة للدفع بالمبادرات التي من شأنها حقن الدماء الأمر الذي لو تحقق فإنه سيعين كثيرا في تمهيد الأجواء لإنجاز مهام المستقبل وعلى رأسها الانتخابات، غير ان الأماني وحدها لن تزيل المصاعب القائمة، ولن تعوض حجم الدمار الكبير المستمر في الفلوجة منذ عدة اشهر..