أسأل نفسي دائماً: لماذا تبدو المدن لدينا متفاوتة في الخدمات والمنجز الحضاري؟، ولماذا أيضا تبدو المدن، الموازية أهميةً واستراتيجيةً، متباعدة في الشبه بفروقات شاسعة كما يحدث بين مدينتي الرياض وجدة مثلا؟
أقول هذا بعد زيارة خاطفة للرياض العاصمة، تلك المدينة الباسقة والأنيقة والعازفة عن اللغو فيما لا يعنيها.. إنها فعلا تبدو كامرأة شامخة لا يهمها بعض الأخاديد التي قد تزيدها جمالاً.
تذكرت الرياض وأنا طفلة صغيرة.. ذهبت عنها وأنا لا أتذكر إلا ملامح عابرة، لكنني اليوم قرنتها سريعا بمدينة جدة، تلك المدينة الجميلة والتي تبدو كما لو أنها مهملة من نفسها أو ممن يتولون أمرها، جمالها تشوبه تلك الحفريات، أما المضي في شوارعها فأقل الأثر هو خلخلة جسدك حتى ولو كنت ملحفا بأكوام الاسفنج.. أما أمطارها فقد يحتار ساكنوها فعلا بين رحمة الغيث، وغرق المنازل وذهاب الفقراء الى العراء، رغم أنني سأحاول تجنب الغرق في تفاصيل اخرى كما استمعت اليها من البعض، كامتلاء الشوارع بالقمامة.. أكرمكم الله!
في الرياض شعرت بأن الشوارع فسيحة الى درجة ان بعضها يمكن ان يحوي اثنين من شوارع جدة الرئيسية.. أناقة تخطيطها جعلتني فعلا أراها من علو مرتفع وكأنها مجسم أنيق تمتد أذرعه ومفارقاته البديعة على امتداد طولي إنْ شئت أو عرضي أينما تحول بصرك.
كل هذا يجعلني فعلاً اسأل: أوليس المشرف على اخراج هذه المدينة مؤسسات وهيئات رسمية تنهل ميزانيتها من جهة واحدة هي الدولة؟ ثم أليس (الأمناء) المعينون من قِبَل الدولة أيضا وقبل أن يرحلوا من مناصبهم مساءلون عن المال فيما أفنوه، والخطط أين توقفت؟
ما قرأناه ونقرؤه ان الدولة تضع ميزانيات مهولة، بمعنى انه يمكن ان تمثل ميزانية بلاد بأكملها من الدول متوسطة الدخل، بينما يترهل ذلك كله في مدينة جدة على جسر منهك او حفريات واصلاحات دائمة، واسفلت يمارس معظمه خداعنا الذي لا يلبث أن ينجلي بعدما تذهب اللمسات المستقيمة وتتعرى الشوارع مما يغطيها.. كل هذا يجعل الكل يسأل أيضا: هل الامناء مختلفون في إداراتهم أو خططهم أو حتى في العبقرية؟ إذا كان التأويل يقول إنها جميعها مدن تتلقى دعمها الكبير واللامحدود من جهة واحدة، فأين يا تُرَى يقع التفاوت؟!
|