Sunday 7th November,200411728العددالأحد 24 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

تدَاعِي (الطُّيَّاش) على مُسلسل (طاش ما طاش)..؟! تدَاعِي (الطُّيَّاش) على مُسلسل (طاش ما طاش)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* يحظى المسلسل (الكوميدي) السعودي الناقد (طاش ما طاش) باهتمام كبير من أوساط المجتمع السعودي خاصة والعربي عامة؛ فهو بمثابة (حولية نقدية فنية) فريدة؛ لا يشبهها سواها على أية تلفزة عربية اليوم، وهذا ما جعل أكثر من قناة عربية تتسابق على بث حلقاته مع التلفزة السعودية، أو إعادة البث أكثر من مرة خلال العام الذي يلي أو يسبق رمضان.
* عشاق مشاهدة حلقات هذا المسلسل على مدى سنوات بثه التي ناهزت الاثنتي عشرة سنة لا يجذبهم أسلوبه الفكاهي المرح فقط، ولكن أسلوب العرض والمعالجة، والطرح المباشر للمشكلة، والدخول الشجاع إلى الدوائر المظلمة؛ أو الحلقات الممنوعة أحياناً؛ هو ما يحبب الناس في هذا العمل الفني الجيد، ويشدهم إلى الشاشات مدة نصف ساعة بعد كل غروب شمس.
* لقد نجح الثنائي الفني الرائع (السدحان والقصبي) ومعهما المخرج المبدع (عبدالخالق الغانم) في استقطاب المزيد من نجوم الكوميديا السعودية، ونجح هؤلاء كذلك في ترقية عدد من كتاب (السيناريو والحوار)، واستطاع العمل بحلقاته المتنوعة والشائقة كشف المستور على أكثر من صعيد، وتعرية ما يستدعي التعرية منذ زمن بعيد، حتى أصبح المسلسل مرشداً أميناً ومعيناً مفيداً لعدد من المسئولين وغيرهم، يقودهم إلى أوجه النقص عندهم، ويلح في التصحيح الذي يريده المجتمع من هذه الجهة أو تلك.
* إذا كان هذا الذي يقوده (طاش ما طاش) هو النقد الذي نرغب فيه وننادي به، فلماذا يصبح المسلسل وأبطاله هدفاً لسهام بعض الناس، وكأنه من فصيلة أفلام العري..؟!
* قيل منذ القدم: (من ألف فقد استهدف).. ومثله يمكن أن يقال: (من مثل فقد استهدف)؛ فالناس ليسوا سواء؛ لا في مشاربهم، ولا في مطالبهم وطبائعهم، ولهذا.. فإن الهجوم الذي يُشن على مسلسل (طاش ما طاش) هو ظاهرة صحية، ودليل عافية، وأمر طبيعي. هذا إذا عرفنا من هو المُهاجم..؟ ولماذا يُهاجم..؟
* لو أن (طاش ما طاش)؛ أوقف حلقاته على جهة دون غيرها؛ أو شريحة دون سواها لقلنا: إنه يستحق مثل هذه الغضبة المضرية التي دوت منها مكبرات الصوت، وضاقت بها صفحات (الساحات العربية)..! ولكنا نعرف جميعاً أن هذا المسلسل الجميل جال بمبضعه في كل ميدان، وتنقل من جهة أهلية إلى أخرى حكومية، وتجاوز خطوطاً كثيرة كانت ممنوعة، فكشف ما كان بعيداً عن الضوء، فانتقد رجال الأمن والثقافة والإعلام، وطال أرباب التجارة والصناعة؛ وكبار الموظفين وصغارهم، ودخل الدور والقصور، وجس خلال الديار والأفكار؛ وجسَّد (الهم الوطني)؛ كما لم تفعل أية وسيلة إعلامية قبله.
* قدر (طاش ما طاش) وأسلوبه (الدرامي الساخر الناقد)؛ أنه نتاج ثقافة لها باطن وظاهر، ثقافة ظلت تسير بوجهين؛ الأول خفي والثاني معلن..! هذه الثقافة المشحونة بطاقة مضاعفة من (الغلو والتشدد والتطرف والإقصاء) لم تخلق في يوم وليلة؛ ولكنها نتاج ثلث قرن، وعبؤها المتعاظم على المجتمع السعودي هو الذي ألح على إنتاج عمل فني ناقد في مستوى (طاش ما طاش).. فأين هي المشكلة إذن..؟!
* المشكلة يا سادة يا كرام تكمن في المنتوج الثقافي نفسه الذي سار طيلة سنوات مضت على قطب واحد، طابعه التضاد مع نفسه، والتخاصم الدائم بين ما هو مختلف وما هو مؤتلف.
* والمشكلة هي نفسها تظهر في وسط مجتمع (أصبح) مجبولاً على تغييب العقل، واستحضار الأوهام والأحلام، والهروب من الواقع، والتمترس خلف أقنعة مزيفة، لا يسمح بالاقتراب منها خشية فض بكارة الممنوع، وتمزيق أستاره، وتعريته وانكشافه.
* المشكلة هي في منتوج ثقافي بشري ماضوي؛ لا يرتبط بواقع الحياة المعاصرة، ولا يملك مقومات الدخول في التاريخ، ولا يعرف شيئاً اسمه المستقبل.. هذا المنتوج الرديء هو الذي صدَّر فكرة (طالبان) إلى أرض الأفغان.
* أعود إلى (طاش ما طاش) القضية؛ فهو وإن برز أكثر في سنوات مضت؛ إلا أنه يظل مرضياً هذا العام؛ بتلكما الحلقتين اللتين قدمهما عن الإرهاب. الأولى كانت عن شباب خوارج فجروا مبنى لجهاز أمني، والثانية كانت عن منابع فكرية إرهابية داخل مدارس التعليم العام.
* الأمر الخطير في مشاهد حلقة (وا تعليماه) -على سبيل المثال- ليس في تلك الأحكام أو الإيحاءات التي سربها معلمو الدين، وتلقفها طلابهم الصغار وكأنها فتاوى من مشايخ علم ثقاة؛ ولكن الخطورة تكمن في شريحة من الموظفين تعمل في أجهزة رسمية تعليمية أو غير تعليمية تمارس سياسة الهيمنة والتسلط على القرار الإداري العام من المنبع إلى المصدر أو العكس. (المعلم المعتدل الذي صُدم بهذه الحقيقة المرة عندما صعد إلى أعلى الهرم في وزارته الكبيرة) مثالاً صارخاً..!
* أما ما هو أخطر من الخطير هذا أن نجد أنفسنا في كل معالجة أو بحث عن حل لمشكلة اجتماعية أو غيرها أمام فهم تعسفي يقوم على استخدام الدين من أجل كبت الاصوات، وإسكات وإقصاء المتكلمين؛ وذلك بربط مهين غير مبرر يساوي بين الدين نفسه وأهل الدين؛ حتى لو كان هذا الموظف أو المعلم أو الخطيب أو الداعية على خطأ واضح، فيصبح نقد مثل هذا الشخص نقدا للدين نفسه..!
* حلقتان فقط في (طاش ما طاش) من بين عشرين حلقة هذا العام أصابتا (بعض) الناس بالحُمَّى والنفاضة..! وهما اللتان خاضتا في مسألة الإرهاب.. وعارض الحمى هذا، أو ما تلاه من نفاضة؛ ما أصاب القوم؛ ولا عرض لهم من قبل؛ وهم يرون رأي العين الدماء الزكية تسيل في العاصمة الحبيبة الرياض، ولا اهتز منهم طرف؛ وهم يتابعون مسلسل التفجيرات الإرهابية في المجمعات السكنية في بلادهم، ولا تحركت فيهم غيرة أو مروءة أو نخوة، وهم يتابعون حلقات التآمر على وطنهم ومواطنيهم؛ انطلاقا من كهوف (تورا بورا)؛ فهم الذين -على ما يبدو- يدينون لساكنها بالولاء، والطاعة العمياء؛ حتى لو تحولت وديان المملكة إلى أنهار من الدماء..!!
* هذا الجيش العرمرم الذي أرعد وأزبد وأغبر في خطب الجمعة؛ وعلى صفحات (ساحات القاعدة)؛ محتجاً على حلقتين في مسلسل ساخر خفيف؛ ناقش مسألة الإرهاب الموجه لهذه البلاد وأهلها؛ لا يمكن تصنيفه إلا أنه جيش (قاعدي) داعم للعمليات الإرهابية في المملكة؛ وإلا كيف يجروء خطيب جمعة هنا على تكفير (ابطال هذا المسلسل الهادف).. يكفرهم يوم الجمعة التي تلت عرض حلقة (وا تعليماه)...! وتعمد اقلام القاعدة (في الساحات العربية القاعدية) إلى القذف والشتم؛ واستعداء المسئولين والعلماء على المسلسل وأبطاله الوطنيين.!
* مثلما أن (طاش ما طاش) منتوج وطني بحت ألحت على ولادته ثقافة الغلو والتطرف في المجتمع؛ فإن جل المعادين والمناهضين له منتوج ثقافي بوجه آخر يثير الدهشة، فهم إما قاعديون بالمرة؛ أو متعاطفون مع أذناب القاعدة في هذه البلاد؛ فهم يقدمون الدعم للأعمال الإرهابية كل بطريقته؛ ومن هذه الطرق المكشوفة اليوم تكفير أبطال المسلسل، والتشنيع على حلقاته، وخلق بلبلة بذرائع واهية، لا توفر الدين الحنيف في هذا السجال السخيف؛ فمن (قواعد القاعدة) في الإرهاب على المملكة العربية السعودية وحكومتها وشعبها أمتهان الدين لتضليل الناس والتلبيس عليهم.
* سؤال قبل أن أختم: هؤلاء الغيورون على الدين وعلى من يخاطبونهم من المسلمين في خطب الجمعة والتراويح والقيام الذين يصبون جام غضبهم على مسلسل متلفز؛ ويقنتون للدعاء على ابطال المسلسل، وعلى الداعمين لهم في وسائل الإعلام؛ لماذا هم ساكتون حتى اليوم على العمليات الإرهابية الإجرامية التي تستهدف الدين وأهل الدين والمسلمين في بلدهم هذا..؟! لماذا لا يقنتون فيدعون على (ابن لادن) وعلى أذنابه من الخوارج الغاوين الذين فجروا ودمروا وقتلوا وأرهبوا وأخافوا، وهددوا أمن بلدهم هذا والمجتمع كله..؟!
* ثم كذلك؛ هل هنالك استفزاز أكبر من التفجير والتدمير والقتل والتشريد، وتلك النوايا الخبيثة ضد الوطن الحبيب..؟ بحيث تصبح حلقتان تنتقدان الإرهاب في التلفزيون مقدمتين على العمليات الإرهابية نفسها؛ فينتفض لها من سكن وسكت؛ إزاء تفجيرات المحيا والخبر واشبيلية وغيرها.؟!
* يا للعار.. عندما نرى هذا التداعي البغيض من أقوام (طُيَّاش) هنا وهناك على حلقات ساخرة ناقدة في (طاش ما طاش)..؟!

fax:027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved