Sunday 7th November,200411728العددالأحد 24 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

شيء من شيء من
نظام التجنس الأخير مؤشر حضاري
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

نظام التجنس الجديد أثار الكثير من الجدل في المجالس السعودية، وفي منتديات الحوار على الإنترنت بين مؤيد ومنتقد، وأجد نفسي، ولأسبابٍ مختلفة أقف مع هذا القانون الجديد الذي يحمل في طياته مضامين إنسانية وحقوقية تشير بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلى مدى الوعي والبواعث الإنسانية النبيلة التي تضمنها هذا القرار الحضاري المنصف.
فالإنسان الذي أتى إلى هذه البلاد، وأمضى في خدمتها زهرة شبابه وحل سنوات عمره، وانخرط في نسيجها الاجتماعي، والتزم بأنظمتها، وأعرافها وتقاليدها، فلم يحكم عليه بحكمٍ يمس الأمانة والشرف طوال إقامته فيها التي حددها النظام الجديد بعشر سنوات، هو بكل المعايير والمقاييس يستحق أن ينتمي إليها، وأن يحمل جنسيتها.
والمسألة هنا ليست قضية منفعة، كما يراها البعض، تقوم على مدى استفادتنا من المتجنس الجديد من عدمها، وهل سينافس أهل البلاد الأصليين في فرصهم العملية أم لا، إنما هي، ويجب أن تكون، (قضية الإنسان) التي يجب أن نراعيها أولاً قبل قضايا المصلحة والمنفعة الاقتصادية، ولعل من الملاحظ علينا في الحقبة الأخيرة أن النظرة المادية المغرقة في النفعية والماديات والمنطلقة من المصالح، جعلت الرأي الشعبي السعودي يبتعد عن القضايا المرتبطة بالأخلاقيات كثيراً إلى رؤى ومعايير لا تقيم وزناً إلا للماديات.
وغني عن القول أن المجتمعات عندما تمعن في الرؤية المصلحية وتغالي في استخدام (آلية) المنفعة، تفقد أول ما تفقد معاني إنسانيتها التي هي أصل وجودها ونقائها.
أعرف أن من أهم ما تواجهه المملكة من تحديات هي قضية (المشكلة الديمغرافية) التي تؤكدها تلك الزيادات الكبيرة في معدلات نمو أعداد السكان وقد كتبت مراراً عن هذه القضية، وينطلق المنتقدون من أن قرار التجنس الأخير سيؤثر على هذه القضية، وسيزيد من تفاقمها سلبياً ولاسيما أن المملكة تشكو من ارتفاع معدلات البطالة. ولعلّ هذه هي الحجة الأهم لدى منتقدي هذا القرار. غير أنني أرى أن قراراً كهذا هو قرار متعلق بقضية حقوقية وإنسانية بحتة، يجب أن نتعامل معها على هذا الأساس، ومن هذه المنطلقات، وبهذه الخصوصية، بعيداً عن هذه المؤثرات، فحرمان الإنسان، أي إنسانٍ، من حقٍ من حقوقه، لا يمكن تبريره بأن الأرض لا تتسع له، أو أن الموارد لا تكفي لسد احتياجاته، في حين انه يعيش حالياً على هذه الأرض، وينام تحت سمائها، ويأكل من خيراتها، بل هو مشارك رئيسي في بنائها وتنميتها، وقد أمضى المدة التي يحددها النظام في العيش فيها، فلماذا إذن لا يصبح مواطناً من مواطنيها؟ أما المشكلة الديمغرافية فيجب أن نتعامل معها بكل اهتمام، وان نبذل قصارى جهدنا لمواجهتها وتلمس الحلول لها، غير أنها هنا ليست حجة إطلاقاً تصلح أن ندفعَ بها في قضية حقوقية كهذه القضية.
وتصبح هذه القضية أكثر إلحاحاً، وبالذات من الناحية الإنسانية، بالنسبة لأولئك الذين ولدوا في هذه البلاد، ونموا فيها، وتعلموا في مؤسساتها التعليمية، وتشربوا ثقافتها، وتكلموا لهجاتها، ليصبح انتقالهم من صفة (الوافد) أو الأجنبي إلى صفة (المواطن) حقاً لهم تمليه علينا أخلاقنا وشيمنا وإنسانيتنا قبل الأنظمة والقوانين، أو هكذا يجبُ أن يكون الوضع، وهذا ما جاء النظام الجديد لإقراره.
كما لا يمكن اليوم التعامل مع هذه الحقوق من منطلقات عنصرية، تنطلق من أن الانتماء إلى الأرض هو - فقط - لأهلها المنحدرين تاريخياً من قبائلها ومناطقها وأقاليمها دون الآخرين. هذه نظرة مغرقة في العنصرية، لا يمكن قبولها إطلاقاً فضلاً عن أنها أصبحت من مخلفات ومعايير وأعراف الماضي، وبالذات ونحن نعيش في زمن أصبح فيه العالم وحدة واحدة، كما أصبح الإنسان، وليس الأرض، هو الأس الذي تقوم وتتكئ عليه الحقوق البشرية.
ولعلّ من المحزن والمخجل في آن واحد أن تأبى كثير من الأوطان العربية ان تجنس كثيراً من أبناء جلدتهم، المقيمين بين ظهرانيهم، في حين تُفتح لهم الأبواب على مصاريعها في الدول الغربية تلبيةً لنداء الإنسانية والأخلاق، وما من شكٍ أن هذا القرار الحضاري جاء ليصحح مثل هذا الخلل الذي نأمل أن تحذو حذوه بقية الدول العربية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved