قد يظن البعض أن عملية النقد سهلة.. ميسورة التناول، بقدر ما هي عملية شاقة ومرهقة.. فالنقد رسالة وأمانة.. قبل أن تكون عملية تهويش.. الناقد كصانع السيوف الذي يحولها من حديد كاتم إلى معدن براق.. يصقله بجهده وخبرته.. وهو هنا لا يسلم من الشظايا المتطايرة من المحك الذي يجلو به معدنها.. وقد يتأذى من لهب النار التي يصهر بها ذلك الجسم الصلب.. كي يتحول بمهارة يده وحنكة تجربته إلى معول مصقول.. وشيء ببراعة.. وحذلقة أنامله..
يخطئ من يظن أن النقدعملية تقييم سطحية للذات دون تبصر وسبر غور لتلك الكينونة.. ولو كان ذلك لامتهن النقد أي مطلع لا يستسيغ عمل ما.. لسوء هضم مزاجي محض.. وهنا يكون النقد قد جانب البناء وتحول من مبدأ النقد إلى التنفيس عن الحقد.. وهذا ما نختلف عليه مع أدعياء النقد ومقوضي أصوله ومناهجه بالتهويش.. والشرشحة (اللاعلمية) المبنية على الضغينة والحقد.
ويخطئ أيضا من يقول إن من يزاول النقد يجب أن يكون ملما بعلم ما ينتقد كمن ينتقد عملا موسيقيا أو غنائيا لابد وأن يكون درس تلك العلوم ونال قسطا وافرا من مشارب تلك العلوم وهذا خطأ فادح يقع فيه من يحاول تجزئة النقد وربطه بحدود معينة لو طبقناها لما حظي أعلام النقد في العالم بشرف هذه التسمية ولما توفر الناقد لدينا إذ إن الملم بهذه الفنون علميا أجدى له من حيث الكسب المادي والمعنوي أن يزاولها ويسلم من مخاطر هذه المهنة إذ يكون الناقد (كحاطب ليل) لا يسلم من لدغة عقرب.. أو عضة ثعبان.. وما يستلزم الناقد إلا أن يكون ذا حاسة سادسة تؤهله لاستدراك كنه خلفيات العمل.. وتشريحه بطريقة علمية.. وتحليلية.. فالناقد فنان.. يتمتع برهافة الحس.. وبعد النظر.. وعمق الإدراك.. ينتقد بوعي.. ويناقش بإيجابية..
ويحلل بوضوح.. وقبل ذلك أولا واخيرا أن يكون أمينا في نقده. نزيها في هدفه.. وما يتنافى وذلك ليس إلا عملية نسف للجهود.. وتقويض للدعائم وهذا ما نراه ماثلا في العديد مما يسمى بنقد.. (ومن النقد ما قتل).
|