قرأت مقالة مميزة بقلم نجود أحمد من الرياض تحت عنوان (رفقاً أيها القساة) وذلك بعدد (الجزيرة) 12 رمضان 1425هـ وتذكرت أن من تلك القساوة مسألة الطلاق وحدوثه في الحياة الزوجية.. فلو رجعنا إلى إحصائية وزارة العدل عام 1422هـ لوجدنا أن عقود الزواج بلغت 90982 عقد زواج وبلغت صكوك الطلاق 18765 صك رسمي ما عدا غير الثابت رسمياً.
إن المعاناة تكمن في تزايد حالات الطلاق في مجتمعنا وقساوة المجتمع على المطلقة، وتزداد المعاناة في حالة وجود أولاد حيث المصير المجهول لهم ثم مسألة الإنفاق الذي يمتد الخلاف فيه سنوات كذلك حضانة الأولاد ورؤيتهم ونحو ذلك مسائل شائكة.
والمعروف أن المشاكل شرٌّ لا بد منه، فالنسيم لا يهب عليلاً دائماً والجو قد يتعكر والزوابع قد تثور ومع ذلك فالتعقل مطلوب وعدم تفخيم الزلة مرغوب والتأني ضرورة.
والخلاف والطلاق بغيضان إلى الرحمن ولا يفرح بهما إلا الشيطان، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم - أي أقربهم - منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت شيئاً ثم يجيء آخر فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته.
ويقول: أنت أنت أو يقول: نعم أنت). رواه مسلم.
ولعل مناسبة الفراق والهجران وذكر الطلاق تجعلني أشير إلى أن الأمر يتطلب إيجاد مكاتب للتوجيه والإصلاح في كل محافظة وزيادة تفعيل المكاتب الموجودة في المناطق ودعمها مادياً ومعنوياً وإيجاد المؤهلين حتى تحقق الأهداف المنشودة منها ويمكن تطويرها إلى لجان إصلاح ذات البين وجمعها لتواصل مسيرتها في فعل الخير والإصلاح والتوجيه يقول تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين. فإن فساد ذات البيت هي الحالقة). بمعنى أنها تحلق الخير وتستأصله.
ولقد أوجدت وزارة العدل مشكورة عدداً من مكاتب التوجيه والإصلاح تابعة لمحاكم الضمان والأنكحة لتكون عوناً لأداء رسالة المحاكم كما توجد مكاتب أخرى مساندة تؤدي الدور المطلوب منها لكن يبقى تعميمها على المدن والقرى فالمشاكل غالباً تكثر في القرى والهجر والأماكن النائية بفعل قلة الوعي وانعدام الثقافة ووجود التعصب ونحو ذلك وحبذا أن تكون مكاتب الإصلاح والتوجيه تابعة للمحاكم ومكاتب إصلاح ذات البين تابعة للمحافظات ويقصد بأهداف مكتب التوجيه والإصلاح حل الخلافات الزوجية أما إصلاح ذات البين يهدف إلى حل المشكلات بين الاخوة والأقرباء وعموم الناس في شتى النزاعات مما يتطلب للثاني توفير النواحي المادية للإسهام في سداد دين أو دية أو شراء محل نزاع أو التنازل عن مشكلة ما بمقابل مادي.
إن استقرار الأسر أمر مهم والحد من الخلافات مطلب حيوي لكن عدم تجاوب الأطراف وتدخل الأقارب والجهل بعواقب الأمور وانعدام الوعي وعدم تحمل وسائل الإعلام المسؤولية... هذه المشاكل عوائق تقف أمام الاستقرار الأسري، ونبرز أهم أسباب الطلاق:
1 - عدم حصول الرؤية الشرعية بينهما، أو إخفاء العمر أو العيوب والتسرع في اتخاذ القرار قبل اللجوء إلى الاستخارة والاستشارة .
2 - إصابة الزوجين أو أحدهما بالسحر أو العين فلا يطيق أحدهما الآخر.
3 - عدم إحساس الزوج بالمسؤولية لعدم قدرته تحمل تكاليف الزواج ومتطلبات الزوجة.
4 - عدم إلمام الزوجة بما هو مطلوب منها كالواجبات المنزلية ونحو ذلك.
5 - تخلي الأزواج عن تحمل مسؤولية الأولاد.
6 - الغياب المتكرر عن المنزل والسهر والانحراف والاضطهاد من الزوج.
7 - تدخلات الوالدين والأقارب في مشاكل الزوجين.
8 - اضطرار من يتزوج بأخرى بتعليق الأولى وعدم العدل بينهما.
9 - عدم تحمل وسائل الإعلام للدور المطلوب منها في نشر الوعي لدى الزوجين وتفهم حل المشكلات.
يقول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} ويشترط في الحكمين: الإسلام والبلوغ والعقل والذكورية والحرية والرشد والفقه والعدالة والإلمام بالجمع والتفريق والأمانة والإخلاص والورع والتقى ويستحب أن يكون من أهل الزوجين أو أقاربهما وإن تعذر ذلك فللقاضي أن يختار من يثق به من يستطيع على هذه المهمة العظيمة فهي من أفضل الأعمال. قال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
ويجوز للحكمين التفريق أو التوفيق وبه قال المالكية ورواية عن الشافعية ورواية عن الإمام أحمد، ولا يجوز لهما ذلك وبه قال الحنفية وقول للشافعي ورواية عن الإمام أحمد وابن حزم الظاهري والراجح انهما حكمان يجوز قولهما في التوفيق أو التفريق حسب المصلحة التي يريانها كتوصية والقاضي يقرر ما يراه مناسباً.
وفي الختام سؤال أطرحه هنا: من يحمي المطلقات في ظل الأمية الاجتماعية؟؟! فالطلاق وإن اختلفت أسبابه فانه يظل وصمة تعاني منه المرأة الأمرّين إلا من رحم الله، ولعل في الطلاق الخلاص والرحمة أكثر من البقاء مع المعاناة القاسية والأذى المستمر وقد يدفع بعض الرجال إلى اتخاذهم الطلاق وسيلة للانتقام من الزوجة وذلك بحرمانها من رؤية أولادها منه أو الامتناع عن دفع النفقة لهم.
إن الطلاق مشكلة اجتماعية نفسية وظاهرة عامة في جميع المجتمعات يترتب عليها آثار سلبية من تفكك الأسرة وازدياد العداوة والبغضاء وينعكس ذلك على الأولاد الذي يجرهم إلى السلوك المنحرف والجريمة.
إن طغيان الحياة المادية والبحث عن اللذات وانتشار الأنانية وضعف الخلق والملل الزوجي وسهولة التغيير كل ذلك يحتاج إلى الإصلاح وضرورة التمسك بالقيم والفضائل والأسوة الحسنة. إن عدم التوافق بين الزوجين أمر خطير يجب مراعاته وغض الطرف من الآخر فالخلاف والاختلاف لا يفسدان الود، لذا يجب أن ينصت أحدهما للآخر ويتجاوب بالطرق الإيجابية، ونجد أن مشكلات التفاهم وصعوبته من الأسباب المؤدية للطلاق يتبع ذلك الغضب والاندفاع والتسرع في اتخاذ القرار.. إلا أننا نذكّر المرأة أن هذا الزوج اختاره الله فإن كان كما ترغب تحمد الله على ذلك وإن كان العكس عليها أن تسعى للعمل على الحد من السلبيات وتحاول جاهدة لمعالجتها وتعديل سلوكه.
والطلاق جعله الله فرجاً في الأمور الحرجة والضرورات الملحة، قال الله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}.
ومشكلة الطلاق تحتاج دراسة من كافة الأبعاد مع زيادة نسبة الطلاق عن 20% خاصة في ظل التغيرات الكبرى في بنية المجتمع وتبدل القيم وأنماط المعيشة وتطور وسائل الاتصال فعلينا أن نهتم بتأثيرات الطلاق السلبية ونسعى لمعالجتها.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،
حمد بن عبدالله بن خنين
المأذون الشرعي لعقود الأنكحة بالدلم |