نؤمن جميعاً أن الله قد خلق الإنسان، ثم أسكنه الأرض ليعمرها، وسخّر له ما فيها وأنعم عليه من الموارد الطبيعية، وزوّده بالقدرة العقلية كي يتمكن من حسن استخراجها وإعمالها في إشباع حاجاته.
ولا شك أن الإنسان - بفطنته ووعيه - قد أدرك أن استغلال هذه الموارد لن يتحقق بطريقة تلقائية، وإنما يحتاج إلى علاقات تبادلية يؤدي فيها الجهد الفردي والجماعي دوراً تكاملياً هاماً في تحقيق الإفادة المثلى من هذه الطاقات الكامنة، ومن ثم في حسن اقتسامها.
كما أن الإنسان قد تيقن عبر مسيرة التجارب في تاريخه الطويل، ومن خلال ممارساته العملية، أن السبيل الوحيد لتنسيق الجهود ما بين الفرد والجماعة هو إقامة المؤسسات المنظمة، لإدارة تلك الموارد، مع المحافظة على سلوكيات الأداء الجماعي عند مستويات ملائمة من الرشد والعدالة.
كان من البدهي بعد ذلك ظهور آثار إيجابية سلوكية لهذه التجمعات الإنسانية وأخرى سلبية، مما دفع الإنسان إلى البحث عن طرق وأدوات تساعده في الحد من تلك الآثار الضارة، كما تعمل على تطوير الوسائل التي تدعم النتائج الإيجابية للعمل الجماعي، وتزيد من فاعليته.
إن أهم هذه الطرق والوسائل هي الإدارة، وبالرغم من كون الإدارة - كظاهرة اجتماعية - قد تطورت خلال مراحل عمرها، تارة بطفرات سريعة، وأخرى بطفرات بطيئة حتى استقرت على ما هي عليه كتخصص مهني معترف به وله مكانته وقوته وتأثيره، إلا أن تبلورها، كجهد إنساني منظم، ظل متلازماً مع ظهور تجمعات إنسانية منظمة.. وقد كان هذا التطور في مفهوم الإدارة وليداً للحاجة إلى التحول من السلوك العدواني والأناني الذي اتصفت به التجمعات الإنسانية البدائية إلى السلوك التعاوني والتفاعلي والرشيد الذي اتصفت به التجمعات الإنسانية المتحضرة.. ولا شك أن تحولاً كهذا ما كان له أن يحدث بغير قصد، إنما يمكن له أن يتحقق نتيجة مجهودات إدارية منظمة، فنسبة المخاطر التي تتهدد العمل الجماعي مرتفعة، ولا يمكن درؤها إلا بطريق تعاوني، حيث يتم تنظيم سبل تفاعل الجماعة وترشيد سبل إشباعها.
وتظهر عندها صعوبات تحقيق هذا التحول نتيجة لتنوع وتعدد الأهداف والمطالب، كذلك لندرة الموارد المتاحة، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من العقبات تعترض سبيل الإدارة، وهي تتمثل في ظهور حالات الصراع، والتحزب أو التعصب، والإسراف، وينتهي الحال - إذا ترك دون توجيه وتنظيم - إلى حالة من الفوضى الاجتماعية.. ومن المقرر أن سلوكيات الصراع والتعصب والإسراف هي من السلوكيات المصاحبة لنشاط وأداء التجمعات الإنسانية لكن الإدارة بكفاءتها وأساليبها يمكن أن تحولها إلى سلوكيات تهدف إلى ضمان استمرار الجماعة، كما توفر لها عوامل وظروف الاستقرار، وتقودها إلى النمو والازدهار.
|