إن المتتبع لسلوكيات الشباب في عصرنا الحاضر، وما انتباها من تجاوزات للقيّم والمبادئ التي نشأ عليها أبناء هذا المجتمع، وتأرجح هذه السلوكيات في ميزان القبول والرفض والمعقول واللامعقول يدرك إلى أي مدى انتاب الضعف دور ربّ الأسرة في الضبط السلوكي.. بل تجاوز ذلك إلى مباركة ربّ الأسرة هذا السلوك أحياناً. وهذا الضعف في الضبط السلوكي مرده إلى عوامل اجتماعية واقتصادية أفرزت آليات ومفاهيم عصرية لممارسة القيّم والمبادئ والثوابت، وهذه الآليات والمفاهيم بعيدة كل البعد عن ما عهدناه من أساليب رائدة للقيّم والمبادئ الاجتماعية.
لقد أصبح الآن الطموح والأقدام والشجاعة والمبادرة لانتهاج سلوكيات غير مستقيمة سائدة رغم وجهها القبيح واستمراء الشباب ممارستها لسبب أساسي وهو غياب الردع الأسري وعدم تعزيز الردع الأخلاقي والعقائدي، وتلك متاريس حماية تخلت عنها الأسرة، وأصبح تجاوزها ضرباً من الشجاعة والأقدام والفخر والاعتزاز، ولما كان الشاب يبحث عن وسائل ممارسة هذا التجاوز كانت المركبة والطريق وحريات الآخرين وسائل متاحة بمباركة الأسرة وعلى مسمع ومرأى الجميع.
رغم كل ما كتب وقيل حول هذه الظاهرة من نصائح وتوصيات واقتراحات بدون العودة إلى الأسرة كخط دفاع أول سوف تتعاظم الظاهرة وتصبح ككرة الثلج التي لا تجد سداً يوقف تدحرجها.
إن من أهم القيّم الواجب الحفاظ عليها احترام الأنظمة والقوانين التي وضع لتستقيم الحياة ويعرف كل فرد في المجتمع دوره وحدود حريته بدأً بالنظام الأسري من منطلق كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وانتهاءً بالنظم الاجتماعية التي روعي فيها المصلحة العامة.. التمسك بهذه الأنظمة واحترامها من قبل الجميع مدعاة إلى تقيد النشء بها، والقدوة الحسنة المتمثلة بسلوك الوالدين والقيام بالتزماتهما الأسرية والاجتماعية ينعكس إيجاباً على أبنائهما. نلحظ ذلك في التجاوزات اليومية للأنظمة المرورية، وانتقادها من قبل ربّ الأسرة أمام أبنائه ونعته لها أنها متخلفة ومعيقة فقط لأنها لم تكن في مصلحته في تلك الفترة التي يصب فيها غضبه ومقته لها، ومع الوقت تترسخ لدى الأبناء هذه الفكرة عن الأنظمة المرورية ويستمرون تجاوزها، بل يصبح القفز على هذه الأنظمة والتمرد عليها ضرباً من الشجاعة والإقدام وتصبح المشكلة أكبر عندما يكون هذا السلوك من مقومات تحقيق الذات لدى الشباب.
إن ما نشاهد اليوم من تجاوزات مرورية كقطع إشارة أو سرعة أو عكس اتجاه أو مايسمى بالتفحيط داخل المدن والأحياء من قبل أحداث تساهل رب الأسرة في تسليمهم المركبة دون رقابة أو مساءلة أدى إلى عواقب وخيمة على الأسرة أو مرتادي الطريق، وإذا ماحدث حادث نتج عنه فقدان أحد أعضاء الأسرة أو إصابته بعجز بعد شلل جزئي أو كلي، حلت بالأسرة موجة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية وقد تكون اقتصادية كان بالإمكان تلافيها بشيء من الردع الأسري.
|