لقد كان لحديث سمو ولي العهد حول تخصيص 41 مليار ريال من فائض الميزانية للمشاريع وأولها مشاريع المياه أثر مباشر في طمأنة المواطنين في صحارينا اللاّهبة بوصول المياه الزلال لهم، حين يتحول البترول إلى ماء عذب زلال في صحارينا المقفرة من النباتات العطشى إلى الماء، أصبح الماء أهم سلعة في حياتنا وأصبح هو العنصر الأول الذي يلهث وراءه الجميع، أصبح البنزين أرخص من الماء (لتر الماء بريال أما لتر البنزين فهو بـ 95 هللة) أو أقل من ذلك.. إنّ وضع المياه في الأولوية رقم (1) في صرف فائض الميزانية هو الاختيار الصحيح والقرار الأصوب، فكثير من مدننا وقرانا تعطش مع كل صيف لاهب بسبب السحب الهائل على الماء من (محطات التنقية) التي أقيمت حول المدن وأصبحت لا تفي بحاجتها بسبب تزايد كثافة المدن السكانية وبسبب أننا في بلد صحراوي لا يمكن إقامة أي مشاريع للتغذية بالمياه الجوفية فيه إلاّ وتتعرض هذه المياه للنضوب أو الملوحة بسبب قلّتها وزيادة سحبها، حيث إنها تصل إلى طبقة مالحة في الكثير من الأحيان، وإن لم تنضب هذه المياه فهي تعتمد على مياه الأمطار، فإذا قلّت مياه الأمطار قلّ منسوب هذه المياه، هذا بالإضافة إلى التكلفة العالية لهذه المحطات من حيث الإنشاء ومد الشبكات، ومن حيث زيادة طاقتها أو حفر الآبار التي يجب أن تكون ذات عدد كبير حتى تفي بحاجة المدن، إذاً فخيار تنقية المياه الجوفية ووضع محطات تنقية لها وتشغيلها وصيانتها يعتبر خياراً باهظ التكاليف، وهذا إضافة إلى أنه غير مجدٍ حيث إن هذه المياه معرضة للنضوب والملوحة، إضافة إلى إمكانية تلوث هذه المياه بعوامل مختلفة من أهمها المخلفات الصناعية أو مياه المجاري، ولكن هناك خياراً أقلّ تكلفة وأكثر فاعلية إضافة إلى قلّة إمكانية تعرضه للتلوث، وهو تحلية مياه البحار، حيث يشير الخبراء إلى أن تحلية مياه البحر هي (الخيار الأقل تكلفة) فلماذا لا يتم اللجوء إليه وتغذية مدن المملكة وقراها من مياه البحر؟؟، وعلى هذا أرى أن يتم إنشاء محطتين ضخمتين للتحلية كما يلي:
أ - محطة ضخمة للتحلية في وسط البحر الأحمر (المسافة من شمال المملكة لجنوبها) وتضخ مياها إلى وسط المملكة.
ب - محطة ضخمة للتحلية على الخليج العربي.
ج - تلتقي مياه هاتين المحطتين في نقطة وسط المملكة (نقطة تجميع المياه وتوزيعها)، وبالتالي يتم توزيع هذه المياه إلى مختلف مناطق وقرى المملكة، حيث يمكن الاستفادة من الجاذبية الأرضية في بعض المناطق (كفارق المنسوب بين الغاط ومنطقة القصيم)، ونستفيد أيضاً من إمكانية أن تكون إحدى المضختين أو المحطتين بديلة للأخرى في حالة عطلها أو صيانتها. إن وضع هذه المحطة في وسط المملكة سيسد حاجة هذه البلاد من مياه الشرب التي هي من أهم الضرورات في حياتهم. وأعرف مدى اهتمام المسؤولين في هذه البلاد بهذا العنصر الهام ووضعه في قائمة أولويات الخدمات التي يجب توفيرها للمواطن بأبخس الأثمان.. خاصة ونحن في بلاد صحراوية تقاس فيها قطرة الماء بالذهب لندرتها.. في جزيرة العرب يعز الماء.. في صحاريها اللاهبة المياه عملة نادرة.. في مدنها الماء أغلى من (البنزين) أمطارها يتسقطها الرعاة في كل فصل وفي كل صقع من أصقاعها.. ومع تزايد عدد سكان مدنها سيكون الماء أغلى سلعة.. وأغلى عنصر يجب المحافظة عليه.
بعد تشكيل (وزارة المياه) استبشر المواطنون خيراً.. فعصرنا هو عصر المياه.. وكل الدلائل تشير إلى أن الحروب القادمة هي حروب المياه.. (وزارة المياه ) هي الوزارة المسؤولة عن العنصر الأساسي للحياه.. عنصر أهم من الكهرباء.. وأهم من التلفون.. وأهم من الغذاء.. عنصر يجب توفيره أمام كل مواطن بثمن بخس.. فالمواطن هو عماد الوطن وهو عماد الاقتصاد..
وإذا توفرت له أهم مطالبه فسيكون عنصراً داعماً لاقتصاد الوطن.. عنصراً منتجاً لا عنصراً مستهلكاً فقط.. نعم ليس هناك شيء بالمجان ولكن كل شيء يختلف عن شيء.. الماء عنصر لا حياة بدونه.. أما الكهرباء فهي رفاهية.. وأما وسائل النقل فهي ترف يمكن أن يدفع لها المترف أما الفقير المعدم.. فيجب توفير العنصر رقم (1) في الحياة له بقيمة هي أشبه بالمجان.. وليس في هذا أي غرابة.. فإذا وفر له أهم عنصر فسيخدم الوطن والاقتصاد.. وسنكون مجتمعاً منتجاً ذا بيئة صحية سليمة تساعد على دعم الاقتصاد - ولعل معالي وزير (المياه والكهرباء) الدكتور عبدالله الحصيَّن أول من يعرف هذه الحقيقة،
ولا شك أنه يعرفها فهو رجل ذو خبرة طويلة وذو نظر بعيد، وقد قرأت له مؤخراً تصريحاً يقول (إن مياه البحر المحلاَّة هي الأقل تكلفة وهي الخيار الأنسب لسقيا المدن بالمياه)، وأهنئه على ثقة ولاة الأمر بتعيينه وزيراً (للمياه والكهرباء) بعد دمج هذين القطاعين مع بعضهما وهما عنصران مهمان في الحياة اليومية لكل مواطن، فلا يخلو بيت من ماء وكهرباء، وهما أهم الخدمات اليومية المقدمة للمواطن.. ولا شك أن لدى معالي الوزير خطة استراتيجية لجعل فاتورتي المياه والكهرباء من أقل الفواتير استهلاكاً (لراتب المواطن الشهري).. وأقل الفواتير (بلعاً) لدخل متواضعي الدخل.. وما دام أن (مياه البحر المحلاّة) هي أقل الخيارات تكلفة فمعنى ذلك أنه يجب أن يكون هناك استراتيجية لسقيا جميع المدن والقرى بشكبة ضخمة من مياه البحر المحلاّة القادمة من الخليج العربي والبحر الأحمر.. ولله الحمد فنحن نعيش على ساحلين طويلين قلّ أن يوجد مثل طولهما على أي دولة وقلّ أن تطل دولة على ساحلين.. ففي حالة زيادة تكلفة جلب المياه إلى مدينة وسط المملكة من البحر الأحمر فيمكن دراسة جلبه لها من الخليج العربي.. وهذه ميزة للمملكة.. ومنطقة القصيم التي تقع في قلب المملكة تقريباً حظيت بمشروع ولا كل المشاريع.. وجهود ولا كل الجهود.. وإنجاز ولا كل الإنجازات إنه إنجاز ضخم بمقياس الزمان.. والمكان .. إنجاز ضخم بمقياس الإمكانات.. فالقصيم تعيش في زمان قلّت فيه الإمكانات وفي مكان قصي وسط صحاري الجزيرة العربية اللاهبة وتبعد عن سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر مئات الكيلو مترات.. ومع ذلك حدثت المعجزة.. وتحقق الحلم وحدث حدثٌ استثنائي في هذه المنطقة بدعم من سمو أميرها.. وتحقق المشروع الحلم لوزارة المياه، وها قد وصلت أنابيب المياه إلى وسط المنطقة وبنيت خزانات المياه والمنطقة تترقب اللحظة التي تنطلق فيها مياه البحر فتشرب ماءً عذباً زلالاً.. وهي قريبة جداً حيث يتم حالياً إيصال خط المياه من محطة التوزيع وسط القصيم إلى مدينة بريدة عاصمة المنطقة وهو حدث بهيج في تاريخ المنطقة ويوم تاريخي.. وجهد إيصال المياه إلى منطقة القصيم وبناء الخزانات ومحطات الدفع ومحطات التحلية جهد جبار لخط مياه يقرب من 1000كم.. ووصوله إلى منطقة القصيم يعتبر الخطوة 999 من مسيرة الألف خطوة.. ولم يتبق منه إلاّ الشيء القليل وهو توزيعه على بقية مدن المنطقة الكبرى كعنيزة والرس والبكيرية والمذنب والبدائع والخبراء ورياض الخبراء..
ولا شك أن لدى وزارة المياه خططها لإيصال المياه لهذه المدن فهناك مدن في القصيم تقع على الدرع العربي أو على حافته كالرس والبدائع.. حيث إن هذه المدن أو المحافظات تقع غرب القصيم والرس خصوصاً تقع على الدرع العربي وتجلب لها المياه من مسافة بعيدة إلى الشرق منها، وفي رأيي أن وزارة المياه يجب أن تعطي أولوية لإيصال مياه البحر المحلاّة إلى محطة (مياه الرس - البدائع).. وذلك للأسباب الآتية:
1- وقوع الرس على الدرع العربي يجعلها شحيحة في المياه إلا من مياه الأمطار ولا شك أن مدينة تقع على صخر ولا يوجد بها مصدر للمياه أولى من مدينة يوجد بها المياه غزيرة في إيصال مياه البحر إليها.
2- تعاني محافظتا الرس والبدائع مع كل صيف لاهب من شح المياه التي يتم تقاسمها بين هاتين المحافظتين من محطة تنقية مياه (الرس - البدائع) حيث تعطش هاتان المدينتان وتظمآن مع كل صيف حيث زيادة استهلاك المياه وشح المياه المنقاة من هذه المحطة وزيادة الطلب والاستهلاك من هاتين المدينتين اللتين تنموان نمواً سريعاً.
3- محطة (مياه الرس - البدائع) قريبة نسبياً من محطة توزيع المياه (خزانات مياه التحلية) الواقعة إلى الجنوب من مدينة بريدة.. فخط المياه قطع حوالي 1000 كم من الخليج العربي وبقي على مرمى حجر من هذه المحطة مسافة تقرب من 50 كم.. وربما أقل من ذلك إذا كان الخط مستقيماً لا شك أنها مسافة لا تقاس بمعيار إذا قورنت بالمسافة التي قطعها هذا الخط من الخليج العربي.. ولن تعجز وزارة المياه عن مد هذا الخط مسافة قصيرة الى هذه المحطة وإضافة إنجاز باهر لهذه الوزارة، إنها مثل فيلا تم تمديد جميع القواطع والأسلاك الكهربائية بها ولم يتبق إلا المصباح الذي لا يكلف شيئا ًويجلو الجهد ويجني الثمرة.
4- لو قورنت تكاليف تشغيل وصيانة محطة مياه (الرس - البدائع) سنوياً لقاربت تكلفة مد هذا الخط لسنة واحدة أو ثلاث سنوات على أكثر تقدير - إن هذه المحطة يغذيها عشرات الآبار التي تستنزف المياه الجوفية والتي تحتاج إلى وقود وكهرباء وتشغيل وصيانة وعمالة ومعدات.. كان بالإمكان الاستغناء عنها وضخ كل هذه التكاليف في مد خط يختصر كل هذا الجهد.
5- لقد أصبحت أسنان أهالي الرس والبدائع صفراً من استهلاك هذه المياه المليئة بالكبريتات.. وبالإمكان تجاوز هذا بجعلهم يشربون ماء زلالاً من مياه البحر المحلاّة.
6- يوجد خط يمتد من محطة مياه (الرس - البدائع) إلى الرس بطول يقرب من 30 كم وبالإمكان استخدامه في ضخ مياه البحر من المحطة فليس هناك تكاليف لإيصال خط مياه البحر إلى الرس فهو موجود.
إن إيصال مياه البحر إلى هاتين المحافظتين حلم لأهاليهما نتمنى أن يتحقق على يد معالي وزير المياه والكهرباء ليكتمل هذا الإنجاز الضخم في القصيم.
|