Saturday 6th November,200411727العددالسبت 23 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "منوعـات"

وعلامات وعلامات
متاع الغرور!!
عبد الفتاح أبو مدين

حفت النار بالشهوات وحُفَّت الجنة بالمكاره
* جملتان قصيرتان، كلماتهما معدودة، وتؤديان معاني جمة، كل جملة تعلن في وضوح التوجه الذي أمام الإنسان، ليختار النهج الذي يسلكه، وهما مستقيم وأعوج!
* فالمستقيم.. عناء وتحدٍّ وحرمان، وصراع مع النفس الأمارة بالسوء، وهو امتحان عسير قاسٍ، لا يقوى عليه إلا مَن غلب نفسه وقهرها واختار الأقوم، انطلاقاً من قول الحق: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ}، وما بعدها نعيم مقيم، وجنات تجري تحتها الأنهار، لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
* غير أن مقاومة النفس الأمارة جهاد لا يقوى عليه إلا أُولو العزم، الذين رضوا بالباقية عن الفانية، أولئك هم أولوا الألباب، الذين قتلوا الشهوات العابرة العاجلة الرخيصة، أولئك الذين أخلصوا توجههم نحو الأبقى والأكثر عطاءً وغنًى، في دار {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}، ويومئذ يقولون: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، ويأتي الرد من المعطي: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
* ولو تأمَّل الإنسان في قول الحق: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ}، ولو تخلَّص أو نجا من فتن المال والولد، وهما كذلك أعداء، ولكن المخلوق مغرور وهلوع وجزوع وغافل، وصدق الله القائل: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ}.
* إن الغافل هو الذي يبيع الباقية، النعيم المقيم، بالآجلة الفانية التعيسة، في حياة نصب ولغوب، ومع ذلك فهو فرح بهذه الملذات العاجلة الزائلة، يسعى إليها غانماً لها، وإذا فاته شيء حزن، كأنه خسر ما لا حياة بدونه، بدل أن يحمد الله الذي جنَّبه السوء، ويدعو خالقه أن يعصمه من مساوئ الحياة، غير أنه عجول، ينحو إلى اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد. ويكمل وصف الحياة والآخرة في الكتاب العزيز: {فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. وبعد هذا العرض والتصور لدينا بالية خاسرة، لا تساوي عند خالقها جناح بعوضة، يدعو الحق عباده إلى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
* إن الذي يكبح جماح نفسه يشتري الباقية بالفانية، ولا يكون هذا الاختيار إلا عند أولي النُّهى، الذين غلبوا أهواء نفوسهم؛ لأنهم أقوياء، فانتصروا، وكانوا أحرياء بالنعيم المقيم؛ لأنهم وعوا معطيات الطريقين: المستقيم والأعوج، مع اقتناعهم أن النهج المستقيم حرمان، والأعوج متاع، وإن كان عاجلاً وفانياً! وما أقسى صراع النفس وضعف الإنسان أمام شهواته وأطماعه في الحياة الدنيا، ومرد ذلك الهوى، والقوي مَن يغلب النفس اللوامة.
* إن الانتصار على النفس هو مجاهدتها، وكبح جماحها بالرياضات الدينية التي تكسر حدة جموحها، وتحدُّ من هيمنتها والاندفاع وراء المتاع المحرم الذي يجلب الويلات، ويبعد عن الحق، ويقود إلى المهالك.
* إن الزهد في الحياة سبيل إلى السلامة، وكذلك القناعة بالقليل وعدم النظر لما في أيدي الناس، حيث الرضا بما قسم الله؛ ليكون المرء أغنى الناس؛ لأن الأرزاق بيد الله، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}.
* وأختم هذه الكلمة بقول الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}.
* ندعو الله أن ينصرنا على أنفسنا حتى لا نضلَّ!
* مشكاة:
{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved