Saturday 6th November,200411727العددالسبت 23 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
الرسيفر
عبدالله بن بخيت

عندما بدأنا في مطلع الثمانينات باستخدام الكمبيوتر لم يدر في خلدي أن هذا الجهاز على روعته (في حينها) سوف يصبح أداة تحول إنساني. سيتحول من أداة للكتابة والمحاسبة ومعالجة البيانات الخ إلى شيء آخر مختلف تماما. ولا أعتقد أن المسألة صدفة أن يترافق هذا التغير الكبير في وظيفة الكمبيوتر مع تغير وظيفة التلفزيون والتلفون.
كان التلفزيون أداة في قبضة ملاكه للسيطرة على عقول الناس وتحديد اتجاهاتهم وهوياتهم. ولكن مع وجود الرسيفرات والقنوات الفضائية يبدو أن تلك الوظيفة قد اندثرت تماما. فالوعي في العالم يسير بقوة الدفع الذاتية. حتى الذين يخططون على أعلى المستويات لم يعودوا يملكون القدرة على التأمل في خططهم أمام التغيرات المتسارعة. انقلبت الأدوار لتكتشف الخيول أنها أصبحت خلف العربة.
بقليل من التأمل سنعرف أن التلفزيون والتلفون والرسيفر هم في الواقع اختراع واحد. ولدت متباعدة لكن لو دققت النظر قليلاً سترى أنها تقترب من بعضها لا بهدف التكامل ولكن بهدف الاندماج النهائي وتكوين المنظومة الثقافية التي سوف تشكل وعي البشر في القرن الواحد والعشرين.
التعامل مع هذه المنظومة يحتاج إلى نظام إنساني جديد لا يهدف إلى وضع حد لوجودها أو السيطرة عليها ولكن للاندماج فيها وتزويدها بالمادة المحلية. ففي القرن الواحد والعشرين لا تقرر أنت دخولك في العالم أو خروجك منه فالاشتراك في هذا العالم لم يعد رهنا بقرار الدول أو الأمم نفسها. هذا لا يعني أن هناك استعماراً جديداً يطرق الأبواب ولكن هناك تحولاً في مفهوم العلاقات الإنسانية يترافق مع التحول النوعي في مفهوم الثقافة. فقواعد الثقافة القديمة تصدعت والتقسيمات التي كانت تقوم عليها لم تعد صالحة لإقامة الإنسان في هذا الكون. والأجهزة الجديدة الجوال والرسيفر والإنترنت تستعد لتسهم بدورها في تحويل وعي العالم كما فعل القلم قبل آلاف السنين. أما العبث في استخدام أي من تلك الأجهزة كرسائل الجوال العابثة مثلا ليست عبثا بالمعنى الدقيق للكلمة. أستطيع أن أشبهها بالنقر على المايكروفون قبل بدء الحفلة. فالإنسان القديم عندما اكتشف قدرته على وضع خطوط على جدران الكهوف بدأ عابثاً مستمتعاً باكتشافه الجديد ولكن بعد فترة وجيزة نسبياً تحول هذا العبث إلى شيء خطير دمر أسس ثقافته. فالرقص والغناء والمواقع الإباحية وبرامج ومواقع التسلية ورسائل الجوال العابثة ليست سوى مقدمات تحطيمية للتابوهات المرتبطة بوعي الإنسان. عندما تهدأ فرحة الإنسان الطفولية بالاكتشاف الجديد سيرى سخف ما كان يسيطر على عقله في الماضي.
من الخطأ أن نظن أن وظيفة هذه الأجهزة لها علاقة بالتطور. فالتطور هو تواصل أو حركة صاعدة للمعرفة مع مراعاة صيانة الارتباط بكل مراحلها التاريخية. إن ما يجري هو طفرة بالمعنى الدارويني للكلمة كما حدث للإنسان عندما اكتشف القلم. خلال عشر سنوات فقط أصبح بإمكاننا أن نشاهد أكثر من ثمان مائة قناة بكل اللغات وكل التوجهات وبكل المستويات المعرفية. نعرف جميعا أن هذه ليست سوى مقدمة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تداخل الأجهزة واندماجها في بعضها. الجوال يتحول إلى تلفزيون والتلفزيون يتحول إلى كمبيوتر والكمبيوتر يتحول إلى تلفون في حركة دائرة تشبه العاصفة الصاعدة من الأرض إلى السماء. في ظني لسنا في حاجة لتقديم النصح لأحد بالانتباه لهذه العاصفة. سواء انتبهت الشعوب لما يحدث أو لم تنتبه، سواء استعدت أو لم تستعد النتيجة واحدة. إن ما يحدث هو تحرك عبر حاجز الزمن لا يستطيع أحد أن يستثني نفسه منه. إنها الطفرة الثانية بعد طفرة القلم والله المستعان.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved