الكتاب:Will in the world: How Shakespeare Became Shakespeare
المؤلف:Stephen Greenblatt
الناشر:W. W.Norton
******
يحاول المؤلف ستيفن جرينبلات في هذا الكتاب الصادر مؤخرا بعنوان: (ويل في العالم: كيف أصبح شكسبير بتلك المكانة) أن يجيب عن واحد من أكثر الأسئلة غموضًا في التاريخ الأدبي العالمي، والذي لا تزال إجابته مجهولة حتى اليوم: كيف أصبح ذلك الصبي الذكي والبسيط في الوقت ذاته القادم من مدينة ستراتفورد البريطانية والذي يدعى وليام شكسبير أن يصبح خلال سنوات قلائل أعظم الكتاب الناطقين بالإنجليزية على الإطلاق؟ ويكشف مؤلف الكتاب ستيفن جرينبلات بعض الاسرار عن شكسبير ويسرد دلائل عديدة وشاملة تدعم وجهة نظره، ويسوق العديد من الحجج المقنعة بأسلوب سهل، وقد جاء ترشيح الكتاب لجائزة الكتاب القومي كنتيجة مستحقة للجهد الكبير الذي بذل في اعداده.
وقد عمل مؤلف الكتاب مستشارا للفيلم الشهير (شكسبير يحب)، كما يعمل أيضًا أستاذًا بجامعة هارفارد، ومحرر عام بدورية (نورتون شكسبير).
وطريقته النقدية في الكتاب تتبع طريقة (التأريخ الحديث)، فهو يقوم باستقراء الأحداث التاريخية والحقائق المعروفة في حياة شكسبير في إطار معاصر ليضفي مزيدًا من الفهم على مسرحيات شكسبير.
وقد قام المؤلف في هذا الكتاب باقتفاء كل ما كتب عن شكسبير، سواء في قصاصات الجرائد والصحف أو المقولات التاريخية عنه، سواء من النقاد أو من الوثائق الأدبية وبيانات المسئولين ومن المصادر التي كانت معروفة في حقبته، إضافة إلى عدة خطابات ومكاتبات، وحكايات نادرة عن الكاتب المسرحي الاشهر في تاريخ الادب الانجليزي، حتى الشائعات التي تم تسجيلها عنه وضعها المؤلف في الحسبان، وأي شيء يمكن أن يسلط مزيدًا من الضوء على حياة شكسبير، ليخرج هذا الكتاب في صورة تحليلية منظمة ومقنعة وشيقة.وقد قام المؤلف بتقصي الأيام الأولى في حياة شكسبير في ستراتفورد، ويرجح جرينبلات أن وليام الشاب كان لديه العديد من الفرص للعمل في مجال التمثيل في المسرحيات الكلاسيكية والنسخ المقلدة منها، كما كان يشاهد المسارح المتجولة التي تعرض مسرحياتها المثيرة والتي تحمل الكثير من الرسائل الأخلاقية، ويقول المؤلف أن ذلك ربما أدى إلى خلق حاسة التمثيل فيه وميله إليه في وقت لاحق من حياته، فقد تمكن شكسبير بتلك الخبرات أن يقوم بأداء أجزاء من أدوار تلك المسرحيات ولكن خارج نطاق شخصيته الحقيقية، مما أعطاه رصيد كبير لتخيل وتصور الشخصيات ولكن برؤيته ونصوصه الخاصة به.ويقول جرينبلات أنه ربما ذهب شكسبير شمالاً في عام 1581 إلى لانكاشير، وهناك ربما التقى بإدموند كامبيون، أحد أتباع الطائفة اليسوعية السريين، والذي لقي حتفه في النهاية بطريقة بشعة.
ولكن الأدلة التي استشهد بها جرينبلات على رحلة لانكاشير لم تكن قوية إلى ذلك الحد، بل ربما كانت منحازة بعض الشيء، وتعتمد بصورة كبيرة على افتراض هش بأن (ويل شاكيشافتي) المذكور في وصية أحد الكاثوليك بمدينة لانكاشير لم يكن سوى وليام شكسبير.
وقد لاحت تلك القصة في الأفق ثانية عندما كان ويل في طريقه إلى لندن عام 1587، ربما عندما كان عضوًا في جماعة تمثيل متجولة، تاركًا وراءه زوجته وثلاثة من أبنائه الصغار.
وسرعان ما أصبح عضوًا في فرقة اللورد شامبرلين، كما أصبح على علاقة وثيقة بمجموعة من كتاب المسرحيات الموهوبين، والتي كانت تسمى (يونيفرسيتي ويتس)، من بينهم جورج بيل وتوماس ناش وتوماس واطسون، وروبرت جرين، وبخاصة أحد أبرز منافسيه في ذلك الوقت وهو المسرحي كريستوفر مارلو.
ويقول جرينبلات أن علاقة شكسبير مع منافسه مارلو كانت بمثابة حافز هائل لكليهما، فكان لدى كليهما قصص تاريخية قارنها النقاد ببعضها البعض، مثل القصة التاريخية (تامبورلين) التي قورنت بنظيرتها (هنري الخامس)، و(إدوارد الثاني) قابلت (ريتشارد الثاني)، وقصة (يهود مالطا) كانت نظيرتها قصة (تاجر البندقية)، واللتين مثلتا وجهات نظر متفاوتة لتلك الأقلية المقموعة الخارجة عن القانون.
وفي كل تلك الثنائيات، كان أبطال قصص مارلو غير ودودين بصورة كبيرة، ومتوحشين بلا رحمة ومتصلبي الرأي، في حين كان أبطال شكسبير أكثر رحمة وشفقة وعطف، أو على الأقل أكثر عطفًا.ويشير جرينبلات قائلاً أن (تلك كانت تجربة حاسمة، وتحدت كافة الافتراضات الأخلاقية والمهنية والجمالية لشكسبير.وبلا شك أن شكسبير كان سيكتب مسرحيات سواء ظهر مارلو أو لم يظهر، ولكن تلك المسرحيات من المؤكد أنها كانت ستكون أكثر اختلافًا).
ويقول جرينبلات أن أسلوب مارلو القوي وما يصفه بأنه (عبقرية شعرية خيالية) كانتا بمثابة الإلهام المستمر لشكسبير، وربما أخذ منه التركيز على العاطفة وعلى القوة النفسية لأبطاله، كما يشير جرينبلات إلى أن وفاة مارلو المبكرة في عام 1593 لم تقلل من نفوذه، كما يظن جرينبلات أن (شكسبير الناشئ في مجال التأليف هو ومن معه كانوا ينظرون بجد إلى إنجازات مارلو).
ومن أكثر الأمثلة التي ضربها جرنيبلات توضيحًا لكيف أصبح شكسبير بهذه المكانه هو عرضه لما تعلمه كتاب الدراما من تراجيدياته العظيمة، مثل (هاملت) و(عطيل) و(الملك لير) و(ماكبث)، التي كتبها في الفترة ما بين 1600 و1606، وقد كان شكسبير دومًا يحذر من العرض السهل والتوضيح البسيط للسلوك الإنساني.
وقد تعلم شكسبير كيف يغوص داخل النفس الإنسانية ويمثل ذلك تمثيلاً رائعًا في شخصيات أبطاله، والذي كان يضيف عليهم هالة من الغموض، يصفها جرينبلات بأنها (استئصال جذري للدوافع) والتعمية عليها، وتبدو شخصياته غامضة مبهمة وذلك لأنهم ببساطة لا يكشفون عن أفكارهم أو دوافعهم، لذا فإن الجمهور يجب أن يصل إلى فهم تلك الشخصية عن طريق مشاهدة أولئك الأبطال في مواجهتهم مع القوى غير العادية، مع زيارة الأشباح أو التعامل مع عذابات الحب المتهور، أو مع انهيار النظام الأخلاقي حول البطل، وتغيير العالم الحقيقي حول الشخصية بصورة خلابة ليصبح عالمًا آخر مروعًا.
|