الكتاب: The Invention of the Passport: Surveillance, Citizenship and the State
المؤلف: John Torpey
الناشر: Cambridge University Press, 2000
*******
لقد كان الحق في حرية التنقل بين الدول من أهم إنجازات حركة الليبرالية في مراحلها الكلاسيكية الأولى في القرن التاسع عشر، وما يؤكد ذلك هو أنه في الفترة ما بين عام 1840 وبين العقد الأول من القرن العشرين هاجر ما يقرب من 60 مليون نسمة من أوروبا إلى أجزاء أخرى من العالم.
وقد جاءت حرية مغادرة الفرد لوطنه متزامنة مع حقه في حرية البقاء في دولة أخرى من اختياره، وتساوت حرية المهاجرة وحرية الاستيطان في دول أخرى، وفي أثناء الفترة ذاتها ما بين 1840 و1914 استقر 34 مليون أوروبي في الولايات المتحدة 6.4 ملايين ذهبوا إلى الأرجنتين، 5.2 ملايين انتقلوا إلى كندا، 4.4 ملايين جعلوا من البرازيل منزلهم الجديد، 2.9 مليون ذهبوا إلى أستراليا، 1.6 مليون استقروا في جزر الإنديز البريطانية الغربية، 860 ألف اختاروا العيش في كوبا، 852 ألف سافروا إلى جنوب إفريقيا، 713 ألف اختاروا الذهاب إلى أورجواي، في حين رحل 594 ألفاً إلى نيوزيلندا.
ويقول المؤرخ ر. بالمر ان العامل المشترك في هجرة جميع الأوروبيين كانت الليبرالية الكلاسيكية لذلك العصر، فلم تسمح دول قبل ذلك (ولا بعد ذلك) للمواطنين بحرية التحرك وبصورة قانونية مثلما حدث في تلك الفترة، فقد تم استبدال القوانين القديمة التي كانت تطالب العاملات الماهرات بالبقاء في بلدانهم كما حدث في إنجلترا عام 1824، كما تم إلغاء نظام المجتمعات الزراعية المغلقة، التي كانت تتمتع بحقوق والتزامات جماعية، وكانت تجبر الأفراد على البقاء داخل تلك المجموعة الأم، ولم تعد الدول تعمل بها فيما عدا روسيا، بل إن الدول سمحت لمواطنيها بالهجرة وأخذ كل مدخراتهم من عملاتهم المحلية معهم، وأن يقوموا بتغيير جنسياتهم والتجنس بجنسيات بلدانهم الجديدة.وقد أدى ذيوع مبدأ الحرية الفردية في أوروبا، إضافة إلى الآمال بالتمتع في ذلك في أمريكا إلى جعل الهجرات الجماعية أمرًا ممكنًا.
وقد كان الشيء المثير في تلك الفترة هو أن تلك الحقوق والحريات اكتسبت بمبادرات فردية وعلى الحساب الشخصي للأفراد.
وقد أشار خبير اقتصاديات السوق الحر، الألماني فلهلم روبكه، في أوائل خمسينيات القرن العشرين, إلى التناقض في أنه مع تطور العالم نحو وسائل انتقالات أرخص وأسرع حول العالم، فمن المفترض أن يجعل الانتقالات أسهل وأقل تكلفة ما بين أجزاء العالم المختلفة، مضيفًا أنه تم (استبدال الحدود الدولية الوهمية بين الدول إلى أسلاك شائكة وأسوار)، موضحًا أن (غلق أبواب الهجرة بلا شك أنه جزء من اتجاه أكبر لزماننا باتجاه المزيد من الانغلاق على الذات والتأكيد على الخصوصية في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية) في فترة الخمسينيات.
ويحاول جون توربي مؤلف كتاب (ابتكار جواز السفر) توضيح كيف ولماذا استخدمت الحكومات سلطة إصدار أوراق سفر رسمية كوسيلة للحد من حرية الحركة بالنسبة للأشخاص في المائتي عام الأخيرة، ورصد المحاولات الحكومية على مر القرون للتحكم في تحركات الأشخاص وإخضاعها لسيطرتها.
نشأة جواز السفر يوضح توربي أنه مع بداية الثورة الفرنسية أثير جدل لأول مرة حول مبدأ أن الرجل الحر يجب أن يسمح له بحرية الحركة سواء داخل بلاده أو بين الدول.
ولكن مع تطور الثورة الفرنسية إلى حرب أهلية بين الفصائل داخل فرنسا وحدوث حرب دولية بين فرنسا والدول المحيطة بها، فقد أعادت المجموعة التي كانت تحكم البلاد آنذاك فرض الرقابة على السفر والتنقل، ووضعت قيودًا على حرية الحركة بين الريف وبين المدن، فقد أدى الخوف والارتياب من الجواسيس والمحرضين والعصابات المسلحة والمنشقين عن الجيش و(أعداء الشعب) إلى جعل السيطرة على تحركات الأفراد أكثر أهمية من إعطائهم حرية التنقل والحركة.
ولم يتم تخفيف القيود على جوازات السفر وحرية التحرك بين دول أوروبا إلا بعد انتهاء الحرب بين فرنسا وبقية دول أوروبا، وذلك عندما بدأت روح الليبرالية الكلاسيكية في الحريات والاستثمار في الهيمنة على الحياة الأوروبية.
وقد تم تخفيف القيود على الهجرة في بريطانيا العظمى وفرنسا والدول الألمانية بما فيها بروسيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر.
وفي العقود الوسطى والأخيرة من القرن التاسع عشر بدأ النظر إلى حرية التحرك للأفراد على أنها شيء لا ينفصل عن حرية التجارة، بل شيء مكمل له، ولكن لم يكن مسموحًا للمفكرين الألمان التصريح بذلك إلا في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى.يقول المؤلف في كتابه: (معظم الدول الحديثة قامت بتنقيح وتعديل قوانينها الخاصة بجوازات السفر فيما عدا بعض الدول أو على الأقل حيدتها من خلال جعلها إجراءات غير إجبارية، ولم تعد الدول تنظر إلى الأجانب بنظرة ارتياب وتشكك، ولكن في المقابل واعترافًا بأهمية التجارة والتبادل، فقد استقبلتهم تلك الدول بأذرع مفتوحة وتم إزالة جميع المعوقات من طريق دخول الأجانب إلى الحد الأقصى الممكن).
ولكن يشير توربي في كتابه أنه في ثمانينيات القرن التاسع عشر بدأ وضع قيود جديدة على الهجرة والإقامة والعمل للأجانب في كل من فرنسا وألمانيا، فقد قامت النقابات العمالية في كلا الدولتين بممارسة ضغوط على حكومتيهما (لحماية) الوظائف من العمال الأجانب الذين يريدون أن يعرضوا خدماتهم إلى أصحاب العمل بأجور أكثر إغراء، كما أدى ظهور برامج الرعاية الحكومية إلى تقوية هذا الاتجاه بدورها، مع احتفاظ الحكومات بالحق في تحديد من الذي يدفع الضرائب ومن يمكن أن يحصل على تلك الأموال والامتيازات التي يعاد توزيعها داخل الحدود الإقليمية لتلك الدول.
دور الولايات المتحدة وقد جاءت القيود على حرية الحركة من الولايات المتحدة، التي فرضت في عام 1880 قيودًا على هجرة الصينيين، وفي عام 1882 تم تطبيق هذه القيود لتشمل مجتمعات مختلفة من الجنسيات (غير المرغوب فيها).وعندما تم الاعتراض على تلك القيود أعلنت المحكمة العليا الأمريكية أن الحكومة الفيدرالية لها سلطات التحكم في الدخول والإقامة في الولايات المتحدة، وقد جاء رد فعل الحكومات الأجنبية على ذلك من إيطاليا عام 1901 عندما تم البدء في إصدار جوازات سفر، وذلك من أجل مساعدة المهاجرين الراغبين في دخول الولايات المتحدة.أما نقطة التحول الكبرى في إعادة إنشاء أنظمة جوازات السفر بين كافة الدول الكبرى في أوروبا وفي أمريكا الشمالية فقد كانت اندلاع الحرب العالمية الأولى، وذلك تحت إعلان (حالة الطوارئ القومية).
|