الكتاب:CHIRAC CONTRE BUSH : L'autre guerre
شيراك ضد بوش: الحرب الأخرى
المؤلفان: Henry Vernet et Thomas cantaloube
الناشر:C Lattès -2004
********
قبل سنة ونصف، خرج الحزب الجمهوري الامريكي إلى الناس ليعلن علانية أن (فرنسا هي رأس الأفعى) وأن (قرود أوروبا) ينطوون على الحبال. أثناء ذلك وفي قمة الحرب الإعلامية المحضرة للحرب على العراق، خرج وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عن المألوف ليصف جاك شيراك و شرودر بالحرس القديم، وليدرج البلدين، وفرنسا تحديدا في صياغة (أوروبا العجوز)، أو أوروبا القديمة. وهو المصطلح الذي أسال الكثير من الحبر وقتها، على الرغم من أن فكرة (أوروبا الجديدة) كانت في غاية الغموض، لسبب بسيط أن التحالف السياسي والاستراتيجي العسكري الذي رسمته الإدارة الأمريكية صنع خريطة أخرى لم يكن لا الألمان ولا الفرنسيون فاعلين فيها، بل كانا (مفعول بهما!) كتاب: شيراك ضد بوش الصادر مؤخرا عن منشورات (جي سي لاتي) والذي بيعت منه أكثر من مئة ألف نسخة في طبعته الأولى، جاء في وقت تعيش فيه الساحة السياسية الفرنسية جدالا حادا على عدة مستويات وجبهات، ربما قضية الحجاب كانت أهم القضايا التي بعد أن صادق عليها البرلمان الفرنسي صارت قضية مزدوجة، تداخلت فيها الحريات والحقوق الشخصية للفرد المواطن الحر في فرنسا، مثلما تداخلت و تشابكت مع القانون التشريعي والمدني، ناهيك عن قضية (معاداة السامية) التي أصبحت جدارية مبهمة يلعب على أساسها اللوبي اليهودي المتصاعد كيفما يشاء، لأجل ضمان ( تهويد فرنسا) وإعادتها إلى (بيت الطاعة)، أو إلى الصف الأمريكي ! هي المرة الأولى التي يصطدم فيها المواطن الفرنسي العادي بالتشريعات الجديدة للجمهورية الخامسة، لتبدأ ملامح الحرب الجديدة تتجلى. حرب لها تداعيات أخرى وتأريخ قديم، لا يمكن فصلها عن نفس الحرب الفرنسية/ الأمريكية نفسها. . الحرب التي هي في الحقيقة لب كل المواضيع المطروحة التي على أساسها تحاول فرنسا اليوم أن (تتدارك) الأشياء، إلى درجة الهرولة نحو فرض لوائح لا وقوانين أخرى تعتبر (انتقاد السياسة الإسرائيلية) جزءا من معاداة السامية كما يقول (جريمي فاروا) من جريدة (لومانيتي) في تعليقه على الكتاب. من المنظور الغربي الحديث، وبالضبط من المنظور الأمريكي فإن من أبسط التعريفات السياسية البديهية هو أن الممارسة السياسية، ولاسيما الدولية منها، لا تتعامل مع عبارة ( أنا صديقك الدائم) ولا مع عبارة (أنا عدوك الدائم) إلا في حالات استثنائية قد تساهم المصالح الشخصية في تعديلها أو في (تغييرها). فليس هنالك صديق دائم وليس هنالك عدو واحد ودائم.. بل هنالك المصلحة التي تحدد الجبهات والمطالب الاستراتيجية مثلما تصنع المتاريس السياسية هنا وهناك على شاكلة (التحالفات) التي بات يشهدها العالم في الآونة الأخيرة. هذا بالضبط ما يريد الكتاب تناوله فيما يخص العلاقات الفرنسية الأمريكية التي تبدو اليوم في حالة طلاق، بين رئيسين وليس بين شعبين. فليس هنالك شيء اسمه رئيس إلى الأبد، ولهذا سرعان ما تكتشف الشعوب أنها في النهاية ليست مجبرة على مقاطعة شعب آخر، لأن أسباب القطيعة كانت في الأساس تتمثل في رئيس ما، أو جهة ما، أو جبهة ما، وليس في المنظومة السياسية نفسها باعتبار أن مصالح الأمريكيين في بعض المناطق الاستراتيجية لا تختلف عن مصالح الفرنسيين في مناطق أخرى، وأن فكرة (الطلاق) Le divorce politique، هي التي تعني تقاطع المصالح وليس للمبادئ أي مكان أو دخل هنا كما يقول الكتاب، لأن الذين اعتبروا أن موقف الرئيس الفرنسي كان (دفاعا عن القيم الفرنسية)، لا يمكنهم أن يجنوا من اعتقادهم هذا سوى الخيبة والإحساس بالخيبة، لأن القيم الفرنسية تشبه في الأخير (القيم الأمريكية) من حيث البحث عن (الأنا) ، عن المصلحة الخاصة بعبارة (أنا والطوفان من بعدي)، وعلى حساب الجميع يقول الكتاب. خلافات الربح والحرب في سياق الحديث عن الخلافات الأمريكية الفرنسية، يعرّف الكتاب على لسان كاتبيه هنري فرنيت وتوماس كونتالوب وهما صحفيان من جريدة (لوباريزيان) الفرنسية أن فرنسا وفي خضم الحملة الإعلامية الأمريكية ضد النظام العراقي، كانت مستعدة للمشاركة في عملية الغزو ضد العراق، وأن جاك شيراك شخصيا أبدى استعداده لإرسال نحو 15 ألف جندي للمشاركة في الحرب التي كانت تعني مقاسمة الريع الذي تتأسس على أساسه ما يسمى ب(تحقيق الهدف)، والحال أن استحواذ جورج بوش على النسبة الأكبر، ليس على أساس ريعي فحسب، بل وعلى أساس عسكري واستراتيجي يمتد إلى دول أخرى في المنطقة وهو ما اعتبره (جاك شيراك) أمرا مرفوضا. حدث التصادم بين الرئيسين الأمريكي والفرنسي، وظهرت الخلافات إلى السطح. الفرنسيون لجأوا بسرعة إلى ( بديل) سياسي و دبلوماسي اسمه الأمم المتحدة، وهي الطريقة التي على أساسها استطاع جاك شيراك أن يخرج من ( ورطة التواطؤ) الأول بعبارة :(دع الأمم المتحدة هي التي تقرر). لكن الأمم المتحدة ما كانت لتقرر بعيدا عن كواليس البنتاجون والبيت الأبيض، وهو الشيء الذي عرّى تلك الهيئة الأممية حين فجأة قررت أن تسحب مفتشيها من العراق لتسمح للأمريكيين بتحضير الضربة الأولى على حد قول الكتاب.
في تصريح بدا (خارج النص) كما وصفه الفرنسيون، أعلن وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) أن الدبلوماسية الفرنسية ( المتراجعة عن أهم التزاماتها) تبرهن عن فشلها وعن بقائها الدائم في خانة الدول التي لن تضع قيد أنملة رأسها برأس دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة. ( كانت تلك بداية الحرب الإعلامية بين الفرنسيين والأمريكيين التي سرعان ما تلقفها الإعلام البريطاني ومن خلفه الدبلوماسية البريطانية ليدخلوا في حرب الشتائم ضد الفرنسيين الذين وصفوهم بقرود أوروبا. الكل يذكر جريدة كبيرة مثل ( الصن) وهي تصف شيراك ( بدودة الأرض) لترد عليها جريدة اللوموند ناعتة توني بلير ( بالحثالة) التي تقتات من دم الآخرين. فرنسا التي (صاغت) جبهة (مضادة) للحرب، لم تفعل ذلك لأنها تعارض أمريكا، أو تدين السياسة الخارجية البريطانية، وقوى التحالف الدولية ضد العراق، أو لأنها تهتم بأرواح العراقيين ، بل لأن مصالحها هذه المرة تقاطعت وكان جاك شيراك يعي أن دخوله إلى الحرب كحليف درجة ثانية يعني أنه لن يحصل في النهاية على أكثر من (المراحيض العراقية) ليستثمر فيها، كما قالت له جريدة (الغارديان) البريطانية تهكما وشماتة، يقول الكتاب. وفي فصل آخر من الصراع الأمريكي الفرنسي، يكشف الكتاب عما يصفه خبايا الحرب الباردة الأمريكية الجديدة. والحال أن مصطلح (الحرب الباردة) استعمله أكثر من تعليق لوصف العلاقات الحالية بين الأمريكيين والفرنسيين. ولأنها الحرب الباردة، فقد اشتغلت آليات المخابرات بين البلدين، لكن آلية المخابرات الأمريكية المتفوقة بالقدرات التكنولوجية التي كرست الأقمار الصناعية لخدمتها استطاعت ليس فقط أن تفرض أسلوبها على الفرنسيين بل والتجسس عليهم، يقول الكتاب. قبيل الحرب بشهرين، كانت كل هواتف الاليزيه تحت الرقابة الأمريكية، مثلما كانت تحركات جاك شيراك تحت المجهر الأمريكي. علم الفرنسيون بعملية التصنت. مكتب المخابرات الفرنسية تلقف المعلومة صدفة !. جريدة (لوفيغارو) التي كانت أولى الجرائد تناولا للموضوع قبيل الحرب الأمريكية على العراق، ثم جاء دور مجلة (لوماجازين ديسرائيل) الصادرة في فرنسا وفي خبر نشرته قبيل الحرب بأسبوعين تؤكد فيه ومن مصادر مطلعة أن الرئيس الأمريكي وضع جاك شيراك تحت ( طاولة التصنت)، و الحال أن تلك المجلة الإسرائيلية الصادرة في فرنسا انتقت أخبارها من جهات مسؤولة في الدفاع الإسرائيلي نفسه. الفرنسيون لا يستبعدون ذلك، لأن رئيسهم نادرا ما يستعمل هواتف مضمونة أو مؤمنة في اتصالاته، ناهيك عن أن جاك شيراك في قراراته الأهم لم يكن يعتمد على الهاتف، بل على الاجتماع بمسؤوليه المهمين. هل كانت تلك الجلسات تحت عين التجسس الأمريكية؟ ربما كانت أيضا، على اعتبار أن العديد من القرارات الفرنسية لم تكن (مفاجئة) بالنسبة للأمريكيين الذين (كانوا على دراية بها) وهو الشيء الذي زاد من غيظ الفرنسيين وحنقهم على العنجهية الأمريكية، يقول الكتاب. كتاب (شيراك ضد بوش) يشعل الضوء على واقع التضاد بين الفرنسيين والأمريكيين الذين ينتمون في النهاية إلى نفس المنهج الاستعماري القديم، فبين الكولونيالية والإمبريالية تنمو الصراعات الكبيرة التي يجوز وضعها في خانة حرب الحضارات الجديدة على اعتبار أن كل بلد له تاريخ وحضارة قديمة سيتعرض إلى الحرب لمحو تلك الحضارة و تعويضها بالبديل الأمريكي، وهو ما يثير حفيظة الفرنسيين الذين يريدون ترك (بصماتهم الكولونيالية) أيضا، يقول الكتاب!.
|